كشفت مديرة مكتب لجنة الإنقاذ الدولية
في
سوريا، تانيا إيفانز، عن تفاصيل الاجتماع الأول الذي جمع الرئيس السوري، أحمد
الشرع، مع المدير التنفيذي للجنة الإنقاذ،
ديفيد ميليباند، مشيرة إلى أن النقاشات
تناولت أولويات المرحلة المقبلة على الصعيد الإنساني، والتحديات المتراكمة التي
تواجه ملايين السوريين بعد أكثر من عقد من الحرب والنزوح والانهيار.
وأكدت إيفانز، في مقابلة خاصة مع
"عربي21"، أن "اللقاء عكس انفتاحا جديدا لدى السلطات السورية الجديدة
على الحوار مع المنظمات الدولية، وتفهما لحجم الكارثة الإنسانية، وأهمية توسيع
نطاق الخدمات العامة، واستعادة البنية التحتية التي تضررت بشدة خلال سنوات الصراع،
موضحة أن "الفاعلون الإنسانيون يتطلعون إلى ترجمة هذا الانفتاح من خلال مدى
تسهيل وصول المساعدات وضمان حرية العمل الإنساني".
وفي 26 أيار/ مايو الماضي، بحث الرئيس السوري أحمد الشرع مع رئيس لجنة
الإنقاذ الدولية سبل تعزيز عمل اللجنة داخل سوريا وتوسعة مهامها الإنسانية.
وذكرت رئاسة الجمهورية السورية، في بيان لها، أن اللقاء جرى في قصر الشعب
بدمشق، حيث تم بحث آليات التعاون وتوسيع نطاق عمل اللجنة في البلاد.
كما التقى ميليباند
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، وناقش الجانبان سبل التعاون في المجالين الإنساني
والصحي، إضافة إلى ملف عودة اللاجئين، وفق منشور لوزارة الخارجية السورية على إكس.
ولفتت إيفانز إلى أن "90% من السوريين
يعيشون تحت خط
الفقر، وأن الوضع ما زال مأساويا على كافة المستويات، من الصحة إلى
التعليم إلى الأمن الغذائي، ما يتطلب استجابة نوعية وعاجلة قائمة على المبادئ
الإنسانية، بعيدا عن التسييس أو المشروطية"، مضيفة: "نرى استعدادا
سياسيا، لكن نحتاج إلى ترجمة ذلك إلى أثر عملي يلمسه الناس".
وتطرّقت إيفانز إلى أثر تخفيف
العقوبات الدولية، مؤكدة أنه "رغم بعض الاستثمارات، إلا أن التعافي الملموس
على حياة المدنيين لم يتحقق بعد، وأن العوائق الإجرائية ما زالت تقف أمام استجابة
أكثر فعالية من قبل المنظمات الإنسانية"، مرحبة بأيّة جهود من شأنها دعم
التعافي الاقتصادي في سوريا.
ووجّهت إيفانز نداءً مباشرا إلى
المجتمع الدولي لزيادة التمويل الإنساني لسوريا، والتخلي عن نهج "الضغط
بموارد أقل"، معتبرة أن هذه المرحلة الانتقالية تُمثل فرصة تاريخية لدعم
تعافي السوريين، شرط أن يقترن ذلك بدعم سياسي وتمويل طويل الأمد يمكن البناء عليه.
ولجنة الإنقاذ الدولية (IRC) هي منظمة غير حكومية
تهدف إلى تقديم المساعدات الإنسانية والتنمية الدولية. تأسست في عام 1933 بطلب من عالم
الفيزياء الألماني الشهير ألبرت أينشتاين.
وتسعى الإدارة السورية الجديدة إلى تعزيز تعاونها مع كافة الفواعل الدولية،
بهدف تعزيز حضور دبلوماسي وإنساني غيّبه النظام السابق طوال فترة حكمه.
وتاليا نص المقابلة الخاصة
مع "عربي21":
ما تفاصيل الاجتماع الذي جمع
الرئيس السوري أحمد الشرع مع رئيس لجنة الإنقاذ الدولية ديفيد ميليباند؟ وما أبرز
النقاط التي طُرحت خلال الاجتماع؟
اجتمع الرئيس والمدير التنفيذي للجنة
الإنقاذ الدولية، ديفيد ميليباند، مع الرئيس أحمد الشرع لمناقشة الوضع الإنساني في
سوريا، وكيف يمكن للمنظمات الإنسانية التعاون مع الحكومة الجديدة لتوسيع نطاق
الخدمات الإنسانية، وإنعاش الوصول إلى الخدمات العامة، وتوفير فرص لدعم تعافي
السوريين بعد 14 عاما من الصراع. ركّز الاجتماع على الاحتياجات في مختلف القطاعات،
مثل الصحة، والحماية، وسبل العيش، وأهمية دعم السوريين النازحين سواء داخل البلاد
أو العائدين من الدول المجاورة.
ما الرسالة التي وجهتموها
للرئيس أحمد الشرع بخصوص أولويات العمل الإنساني في سوريا؟ وكيف كانت استجابته؟
أعربنا عن قلقنا العميق حيال معاناة
السوريين المستمرة نتيجة الدمار الذي خلّفه الصراع خلال السنوات الأربع عشرة
الماضية. يعيش 90% من السوريين تحت خط الفقر، وقد دُمِّرت البنية التحتية لقطاعات
حيوية مثل الصحة والمياه والكهرباء، مما حدّ من قدرة السوريين على الوصول إلى
الخدمات الأساسية وفرص كسب الدخل.
كما لا يزال ملايين الأشخاص نازحين
داخل سوريا وخارجها، ولا يزال اللاجئون في دول الجوار بحاجة إلى دعم دولي مستمر،
في الوقت الذي نعمل فيه معا على تحسين الظروف داخل سوريا لتمكينهم من العودة
وإعادة بناء حياتهم بطريقة تحفظ كرامتهم وتضمن استدامة الحلول. وقد تم التأكيد
خلال الاجتماع على هذه المخاوف، مع التركيز على أهمية الاستجابة للاحتياجات
العاجلة واستعادة ثقة الشعب السوري.
ما الانطباع الذي خرجتم به
بشأن التغير في السياسات السورية بعد مرحلة بشار الأسد، خاصة فيما يتعلق بالوضع
الإنساني؟
عكس الاجتماع انفتاحا على الحوار
واعترافا باستمرار الاحتياجات الإنسانية في مختلف أنحاء سوريا. ونحن متفائلون
بالاستعداد للتعاون مع الجهات الإنسانية الدولية، والتركيز على تحسين الظروف
المعيشية للسوريين. وفي نهاية المطاف، ما يهمّ هو أن يُترجم هذا الانخراط إلى
خطوات عملية تُمكّن من تقديم مساعدات إنسانية قائمة على المبادئ ومرتكزة على
الاحتياجات، وتدعم السوريين في مساعيهم نحو التعافي وإعادة بناء حياتهم بكرامة.
هل لمستم
استعدادا حقيقيا من الحكومة السورية الجديدة للتعاون مع المنظمات الإنسانية
الدولية، وعلى رأسها لجنة الإنقاذ الدولية؟
رصدنا انفتاحا أكبر من قِبل السلطات
السورية على الانخراط في الحوار، بما في ذلك على أعلى المستويات. ويبقى الاختبار
الحقيقي هو ما إذا كان هذا الانخراط سيُترجم إلى تحسينات عملية للمنظمات الإنسانية
على الأرض، خصوصا فيما يتعلق بقضايا الوصول، والتسجيل، وحرية التنقل. نشعر
بالتفاؤل حيال مسار هذه النقاشات.
ما تقييمكم لموقف الحكومة
السورية الجديدة من مطالب تحسين الوضع الإنساني في البلاد؟ وما مدى التزامها
بالمعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وعودة اللاجئين؟
أظهرت النقاشات اعتراف الحكومة
بالاحتياجات الإنسانية العاجلة في البلاد، واهتمامها بتعزيز التعاون مع الشركاء
الإنسانيين. وبينما سيستغرق الأمر بعض الوقت لتقييم كيفية تنفيذ هذا الالتزام بشكل
كامل، نؤمن بأن أي تقدّم يجب أن يستند إلى المعايير الدولية لا سيما فيما يتعلق
بحماية المدنيين، ودعم النازحين، والعودة الطوعية والآمنة والكريمة للاجئين.
وسيكون استمرار الحوار والتعاون ضروريا لضمان أن تكون الجهود الإنسانية فعّالة
وقائمة على احترام الحقوق.
ما سبل تعزيز عمل لجنة
الإنقاذ الدولية وتوسعة مهامها الإنسانية داخل سوريا؟
تعزيز وتوسيع عمل لجنة الإنقاذ
الدولية في سوريا يعني توسيع نطاق الخدمات الأساسية في مجالات الصحة، والحماية،
والانتعاش الاقتصادي، والتعليم، وهي مجالات لا تزال الاحتياجات فيها هائلة. ويتطلب
ذلك ليس فقط انخراطا بنّاءً مع الجهات الوطنية والمحلية، بل أيضا دعما سياسيا
وماليا مستداما من المجتمع الدولي. ومع تجدد الأمل بمستقبل أفضل لسوريا، فإن الوقت
قد حان لتعزيز الاستثمار في الاستجابة الإنسانية لضمان تمكّن السوريين من إعادة
بناء حياتهم.
كيف تنظرون إلى مستقبل
التعاون بين لجنة الإنقاذ الدولية والحكومة السورية الجديدة؟ وهل ترون بوادر شراكة
استراتيجية؟
هناك بلا شك التزام وأولويات مشتركة
بين الحكومة السورية والمجتمع الإنساني الأوسع. فجميعنا نرغب في دعم الشعب السوري
ليكون آمنا، ويتمكن من الوصول إلى الخدمات الأساسية، ويحصل على الفرص التي يحتاجها
لإعادة بناء حياته.
ما أثر رفع العقوبات
الدولية التي كانت مفروضة على سوريا سابقا على تحسين الأوضاع الإنسانية في البلاد؟
يسعدنا أن نرى زيادة في الاستثمارات
الخاصة في سوريا عقب تخفيف العقوبات، إلا أن تحقيق أثر ملموس لهذه الاستثمارات على
حياة السوريين سيستغرق بعض الوقت. بالنسبة للمنظمات الإنسانية، لا تزال العقوبات تُعقّد
جهود الاستجابة، خاصة من حيث تأخير إيصال المواد وتنفيذ المعاملات المالية. ونحن
نرحّب بأي جهود من شأنها دعم التعافي الاقتصادي في سوريا وتحسين حياة المدنيين
الذين عانوا من أكثر من عقد من الصراع والنزوح والمعاناة، ونأمل أن تسهم الخطوات
المتخذة لرفع العقوبات في تحقيق ذلك.
هل هناك تغيّرا كبيرا في
وصول المساعدات الإنسانية الآن مقارنة بمرحلة ما قبل التغيير السياسي؟ وهل تم
تسهيل عملكم ميدانيا؟
في أعقاب المرحلة الانتقالية
السياسية، شجّعت السلطات السورية الجديدة المنظمات الإنسانية على الوصول إلى جميع
السوريين المحتاجين. وتُرحب لجنة الإنقاذ الدولية بهذه الفرصة لتوسيع حضورها
والعمل في مناطق كانت سابقا غير قابلة للوصول، وتؤكد التزامها بتقديم استجابة
إنسانية قائمة على المبادئ وتلبي الاحتياجات الملحّة للمجتمعات في مختلف أنحاء
سوريا.
من وجهة نظركم، كيف يمكن
معالجة ملف "عودة اللاجئين" في سوريا؟
في حين يختار مئات الآلاف من اللاجئين
السوريين العودة الطوعية، لا تزال الأوضاع داخل سوريا قاتمة. فالدمار الواسع الذي
طال المساكن والبنية التحتية، وانعدام أو محدودية الوصول إلى الخدمات الأساسية في
العديد من المناطق، واستمرار المخاطر الجسيمة الناجمة عن انتشار الذخائر غير
المنفجرة، كلها عوامل تحول دون تحقيق عودة آمنة وكريمة. وحتى تتحسن هذه الظروف
بشكل ملموس، سيستمر ملايين السوريين في البقاء في دول الاستضافة، حيث يجب أن تتوفر
لهم الحماية، وإمكانية الوصول إلى الخدمات، والقدرة على اتخاذ قرارات طوعية
ومستنيرة بشأن العودة أو البقاء.
برأيكم، ما أبرز الاحتياجات
المطلوبة في سوريا بالوقت الراهن؟ وما نوع المساعدات التي تركزون عليها حاليا؟
لا يزال ملايين الأشخاص في مختلف
أنحاء سوريا يفتقرون إلى الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية وسبل العيش والحماية
والتعليم. وتُعدّ الأسر النازحة والعائدون والأسر التي تعيلها نساء والشباب
والأشخاص ذوو الإعاقة من بين الفئات الأكثر تضررا. وتستجيب لجنة الإنقاذ الدولية
لهذه الاحتياجات من خلال تقديم خدمات صحية منقذة للحياة، وأدوية أساسية، وخدمات قانونية
وحماية، ودعم نفسي واجتماعي، ومساعدات عملية لتمكين الأسر من استعادة سُبل عيشها.
ويشمل ذلك تدريبات على إنشاء المشاريع الصغيرة، ومنحا نقدية، ودعما للمزارعين
والأعمال المرتبطة بالزراعة لتحسين محاصيلهم، وزيادة دخلهم، وتعزيز نظم الغذاء
المحلية.
ما رؤيتكم لموقف المجتمع الدولي من دعم البرامج الإنسانية في سوريا؟ وهل ترون أن هذا الدعم كافٍ؟
تراجعت مستويات التمويل المخصّص
لسوريا بشكل حاد، رغم استمرار الاحتياجات الهائلة. ويجب على المجتمع الدولي ألّا
يتخلى عن السوريين في هذا الوقت. هناك حاجة ملحّة إلى تمويل أكثر استدامة ومرونة
ومتعدد السنوات، من أجل تلبية الاحتياجات الإنسانية ودعم أولويات التعافي المبكر
في آنٍ واحد.
هل تعتقدون أن الظروف أصبحت
مواتية لبدء عمليات إعادة الإعمار بشكل منظم، أم أن الوضع لا يزال هشا؟
80% من شبكات الكهرباء و63% من
المستشفيات و60% من أنظمة المياه إما متضررة أو خارج الخدمة، كما أن واحدا من كل
ثلاثة منازل قد تعرّض إما للدمار أو للضرر. هناك حاجة ماسة إلى جهود إعادة
الإعمار، والتي في حال تنفيذها يمكن أن تُحدث تحولا حقيقيا في حياة الشعب السوري.
كيف تنظرون إلى مستقبل
مُجمل الأوضاع الإنسانية في سوريا خلال الفترة المقبلة؟
لا تزال الطرق أمامنا مليئة
بالتحديات، لكن إحراز التقدّم ممكن إذا تم توسيع نطاق الوصول الإنساني، واستعادة
الخدمات الأساسية، وتقديم الدعم للمجتمعات النازحة بطريقة قائمة على المبادئ
ومرتكزة على الحقوق. ولتحقيق ذلك، يجب على المجتمع الدولي أن يعزز دعمه، سياسيا
وماليا، لضمان عدم تخلّف السوريين عن ركب التعافي في هذه اللحظة الحاسمة من مرحلة
الانتقال.
ما رسالتكم للشعب السوري
بعد إسقاط نظام الأسد ومرور أكثر من عقد على الحرب، وفي ظل استمرار المعاناة
الإنسانية إلى الآن؟
إلى الشعب السوري نقول: نحن نرى قوتكم،
وصمودكم، وكرامتكم. بعد أكثر من عقد من المعاناة، أنتم تستحقون السلام، والأمان،
وفرصة حقيقية لإعادة بناء حياتكم. تظل لجنة الإنقاذ الدولية ملتزمة التزاما عميقا
بدعم مسيرتكم نحو التعافي والعدالة ومستقبل أكثر إشراقا.
أخيرا، ما هو نداءكم
للمجتمع الدولي تجاه سوريا في هذه المرحلة الانتقالية الحساسة، من منظور إنساني
بحت؟
في الوقت الذي بلغت فيه الاحتياجات
الإنسانية في سوريا أعلى مستوياتها منذ بداية الأزمة، تُطالَب الوكالات الإنسانية
ببذل المزيد من الجهد بموارد أقل، وهو أمر غير قابل للاستمرار. المطلوب بشكل عاجل
هو تعزيز شامل للاستجابة الإنسانية وجهود التعافي المبكر، من خلال تمويل مرن،
متزايد، ويمكن التنبؤ به، بما يمكّن المنظمات العاملة في الخطوط الأمامية من تلبية
الاحتياجات المتزايدة ومساعدة السوريين على بدء إعادة بناء حياتهم بكرامة.