صحافة دولية

كم عدد الدول المستعدة لبدء إنتاج الأسلحة النووية مستقبلا؟

هناك 43 دولة حول العالم تمتلك حاليا مخزونات من اليورانيوم عالي التخصيب بينها 28 دولة تُصنف ضمن الدول النامية- الأناضول
هناك 43 دولة حول العالم تمتلك حاليا مخزونات من اليورانيوم عالي التخصيب بينها 28 دولة تُصنف ضمن الدول النامية- الأناضول
نشر موقع "المركز الروسي الإستراتيجي للثقافات" تقريرًا سلط خلاله الضوء على واقع الانتشار النووي العالمي والانعكاسات المحتملة للضربة الإسرائيلية على إيران على مستقبل النظام النووي الدولي.

وقال الموقع في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن تل أبيب بررت عدوانها على إيران، والذي نُفذ ليلة 12 و13 حزيران/ يونيو، بادعاء أن طهران على وشك الشروع في إنتاج أسلحة نووية. ووفقاً لهذا الطرح الإسرائيلي، فإن الهجوم جاء بمثابة "ضربة استباقية" تهدف إلى منع إيران من امتلاك هذا النوع من السلاح.

ويضيف الموقع أن هذه التطورات دفعت العديد من الخبراء إلى التحذير من أن العدوان الإسرائيلي على إيران قد يتصاعد إلى حرب كبرى في منطقة الشرق الأوسط، بل وربما يفتح الباب أمام اندلاع حرب عالمية ثالثة.

وأجبر هذا النزاع، الذي أشعلته إسرائيل ضد إيران، كثيرين على إعادة النظر في الوضع الراهن الذي يعيشه العالم بأسره، وما إذا كان يقف على حافة تحول خطير.

وتدفع هذه التطورات المتسارعة إلى طرح تساؤلات ملحة حول مدى تقدم انتشار الأسلحة النووية في العالم، وإمكانية تكرار سيناريوهات مشابهة في مناطق أخرى من الكرة الأرضية.

وتجدر الإشارة إلى أن معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، التي دخلت حيز التنفيذ في الخامس من آذار/ مارس 1970، تضم اليوم 190 دولة من مختلف أنحاء العالم. وتنص المعاهدة على أن الدولة تُعتبر نووية إذا قامت بتصنيع وتفجير سلاح نووي أو جهاز تفجيري نووي قبل الأول من كانون الثاني/ يناير 1967. ووفقاً لهذا التعريف، فإن الدول النووية المعترف بها رسمياً هي: الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة وبريطانيا و فرنسا والصين، وهي الدول المعروفة باسم "الخمسة النووية".

اظهار أخبار متعلقة


اللافت أن هذه الدول الخمس هي نفسها التي تتمتع بعضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي بموجب ميثاق الأمم المتحدة. وتنص المعاهدة على التزام هذه الدول بعدم نقل أسلحتها النووية أو السيطرة عليها – سواء بشكل مباشر أو غير مباشر – إلى أي طرف آخر، كما تُمنع من تقديم أي مساعدة إلى دول أخرى في تطوير أو إنتاج أسلحة نووية.

أما بقية الدول الأعضاء في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية فهي دول لا تمتلك أسلحة نووية، وقد تعهدت بموجب المعاهدة بعدم استلام أي سلاح نووي من أي جهة كانت، وعدم السعي إلى تطويره أو إنتاجه، كما تلتزم بعدم تلقي أي مساعدة في هذا المجال.

وتقع مسؤولية الرقابة على تنفيذ التزامات المعاهدة على عاتق الوكالة الدولية للطاقة الذرية وهي هيئة تابعة لمنظومة الأمم المتحدة، تم تأسيسها في سنة 1957، وتضطلع بدور محوري في التحقق من الالتزام بالمعاهدة، وضمان الاستخدام السلمي للطاقة النووية.

ويذكر الموقع أنه رغم الأهداف الطموحة التي وضعتها، لم تنجح معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في وضع حد كامل لسباق التسلح في المجال النووي. فمنذ البداية، نصت المعاهدة على توصيات موجهة إلى "الخمسة النووية" تقضي بعدم مواصلة توسيع ترساناتها النووية، بل السعي إلى تقليصها تدريجيًّا إلى جانب الامتناع عن تطوير أسلحة نووية جديدة أو تحسين وسائل إيصالها. وعلى الرغم من أن العدد الإجمالي للرؤوس النووية في العالم قد شهد انخفاضاً ملحوظاً مقارنة بما كان عليه خلال الحرب الباردة، إلا أن بعض الدول – مثل الصين – تواصل زيادة عدد رؤوسها النووية.

إلى جانب ذلك، من التحديات الأساسية التي تواجه معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية أنها لا تشمل جميع الدول الكبرى. فهناك ثلاث دول – إسرائيل والهند وباكستان – رفضت التوقيع على المعاهدة منذ البداية، وكل منها تمتلك أسلحة نووية. وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل لم تصدر حتى الآن أي إعلان رسمي بشأن ترسانتها النووية، لكنها تُعد على نطاق واسع دولة نووية بحكم الأمر الواقع. أما كوريا الشمالية، فقد كانت في السابق طرفاً في المعاهدة، لكنها انسحبت منها لاحقاً، وأعلنت امتلاكها للسلاح النووي، ما يضعها أيضاً خارج نطاق رقابة المجتمع الدولي في هذا المجال.

وتُوجَّه انتقادات متزايدة للولايات المتحدة بشأن مدى التزامها بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، لا سيما فيما يتعلق بانتشار ترسانتها النووية خارج أراضيها. فحتى اليوم، تحتفظ واشنطن بأسلحة نووية أمريكية في عدد من الدول الأوروبية، منها ألمانيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا وتركيا إضافة إلى كندا. وتشير تقارير إلى إمكانية إعادة نشر هذه الأسلحة في المملكة المتحدة، بعد انقطاع منذ سنة 2008.

من الناحية القانونية، لا تحظر المعاهدة على دول "الخمسة النووية" نشر أسلحتها النووية خارج حدودها، بشرطين أساسيين: أولاً، ألا يتم نقل السيطرة على هذه الأسلحة إلى الدولة المستضيفة، وثانياً، ألا تُجرى على أراضي هذه الدول أي عمليات تطوير أو تحسين للأسلحة أو وسائل إيصالها.

وأفاد الموقع أن المشهد النووي العالمي لم يعد يقتصر على "الخمسة النووية" المعترف بها بموجب معاهدة عدم الانتشار، بل يضم اليوم، بحكم الأمر الواقع، أربع دول أخرى تمتلك أسلحة نووية، ليصل المجموع إلى تسع دول تُعرف اصطلاحاً بـ"النادي النووي".

ومع ذلك، يذهب مسؤولون في تل أبيب وواشنطن وبعض العواصم الأخرى إلى الحديث عن "العشرة النووية"، في إشارة إلى إيران، التي – على الرغم من أن تقارير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وحتى الاستخبارات الأمريكية أكدت عدم امتلاكها لسلاح نووي عشية الهجوم الإسرائيلي – فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب أصرّا على عكس ذلك.

ويعكس هذا الجدل التوتر الحاد بين التقييمات الفنية للجهات الرقابية الدولية وبين القرارات السياسية التي قد تستند إلى "نوايا مفترضة" بدلاً من أدلة قاطعة، ما يطرح تساؤلات جوهرية حول مصداقية النظام الدولي لعدم الانتشار والآليات المعتمدة فيه.

وفقاً لتصريحات طهران، فإن مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب لا يزال سليماً ومحفوظاً دون أضرار. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال هناك نقاشات بين الخبراء والفنيين في مجال الأسلحة النووية حول المدة التي تحتاجها إيران لتحويل هذا المخزون إلى قنبلة نووية مكتملة.

 وتتفاوت تقديرات الخبراء بشكل كبير، فبعضهم يرى أن الأمر قد يستغرق سنوات، بينما يعتقد آخرون أن العملية قد تستغرق شهوراً فقط، فيما يذهب فريق ثالث إلى احتمال أن تكون المسافة بين إيران والقنبلة النووية مجرد أيام قليلة.

اظهار أخبار متعلقة


ووفقاً لبيانات الجمعية النووية العالمية، حتى آذار/مارس 2020، كانت حوالي 30 دولة تمتلك برامج نووية مدنية، تتراوح مراحلها بين التبني الرسمي والتنفيذ الفعلي. إضافة إلى ذلك، أعلنت نحو 20 دولة اهتمامها المتزايد بالطاقة النووية، مع خطط لاعتماد برامج نووية في المستقبل القريب.

ويعيد هذا الواقع إلى الواجهة تساؤلات حيوية حول مدى فعالية آليات المراقبة الدولية وفرص تحويل البرامج النووية السلمية إلى برامج تسليحية، في ظل استمرار توسع استخدام الطاقة النووية عالمياً.

وينقل الموقع تصريح سابق للأكاديمي الروسي البارز في مجال الفيزياء النووية، يفغيني أفرورين قال فيه "عندما أجرينا في المركز الفيدرالي النووي الروسي تحليلاً لمعرفة الدول التي يمكنها تصنيع أسلحة نووية، توصلنا إلى استنتاج مهم: اليوم، بإمكان أي دولة صناعية متقدمة أن تصنع السلاح النووي. كل ما يتطلبه الأمر هو قرار سياسي فقط. المعلومات متاحة بشكل كامل، ولا يوجد شيء مجهول. المسألة ببساطة تتعلق بالتقنية والاستثمار المالي المطلوب".

في هذا السياق، أورد محمد البرادعي، المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية سنة 2005، تقييمًا حذرًا قائلاً: "يمكننا اليوم القول فعليًا إن هناك ما بين 30 إلى 40 دولة تمتلك القدرة المحتملة على تصنيع سلاح نووي خلال بضعة أشهر".

وبحسب تقديره، فإن الوقت اللازم لتخطي العتبة النووية والانضمام فعلياً إلى النادي النووي لا يتجاوز شهرين فقط، في حال اتخاذ القرار السياسي.

وأفاد الموقع أن هناك 15 دولة في العالم تملك مثل هذه القدرات، وهي حسب الترتيب الأبجدي: الأرجنتين والبرازيل وألمانيا وإيران وإسرائيل والهند والصين والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا وكوريا الشمالية وباكستان واليابان وبلجيكا.

وتُظهر خارطة القدرات النسبية ما يلي: روسيا تمتلك 40 بالمئة من قدرات التخصيب العالمية تليها الولايات المتحدة بنسبة 20 بالمئة، ثم فرنسا بـ15 بالمئة. أما ألمانيا والمملكة المتحدة وبلجيكا مجتمعة فلديها نحو 22 بالمائة، بينما لا تتجاوز حصة بقية دول العالم مجتمعة 3 بالمئة.

وإذا ما استثنينا الدول التسع التي تُعد أعضاء فعليين في "النادي النووي"، فإن الدول المتبقية التي تملك قدرات تخصيب دون امتلاك سلاح نووي هي: الأرجنتين والبرازيل وألمانيا وإيران وبلجيكا واليابان.

وبحسب بعض التقديرات، هناك 43 دولة حول العالم تمتلك حالياً مخزونات من اليورانيوم عالي التخصيب، بينها 28 دولة تُصنف ضمن الدول النامية، ما يعكس اتساع دائرة القلق بشأن احتمالات الانتشار النووي في المستقبل القريب.

وبعد العملية العسكرية التي نفذتها إسرائيل ضد إيران في 13 حزيران/ يونيو، تلتها ضربات أمريكية استهدفت منشآت نووية إيرانية في 22 حزيران/ يونيو، بات معظم المحللين يجمعون على أن طهران ستُقدم على تجاوز ما يُعرف بـ"العتبة النووية".

إلى جانب إيران، تُدرج العديد من التحليلات المتخصصة عدداً من الدول الأخرى ضمن قائمة دول "العتبة النووية". من بين هذه الدول: اليابان وألمانيا وكندا وهولندا وإيطاليا وإسبانيا والسويد وسويسرا والبرازيل والمكسيك والأرجنتين وكوريا الجنوبية وتايوان وإندونيسيا والسعودية وجنوب إفريقيا.

ويُعتقد أن بعض هذه الدول أقرب من غيرها إلى امتلاك السلاح النووي. فعلى سبيل المثال، كثيراً ما تُوصَف اليابان بأنها "على بُعد خطوة" من إنتاج قنبلة نووية، في إشارة إلى مدى تطور بنيتها التحتية النووية ومستوى خبرتها التكنولوجية وامتلاكها كميات كبيرة من البلوتونيوم المدني. أما ألمانيا، فيُنظر إليها على أنها أبعد نسبياً. ويرجع ذلك إلى قرارها السياسي القاضي بإغلاق جميع محطاتها النووية، حيث خرجت أخر ثلاث محطات من الخدمة قبل ثلاث سنوات فقط، في سياق التوجه نحو الطاقة الخضراء. وبذلك، تكون برلين قد فقدت إحدى الركائز الفنية الأساسية التي قد تُمكنها من تطوير برنامج عسكري نووي مستقبلي.

ويشير الموقع إلى أنه في سنة 2020، وخلال افتتاح محطة الطاقة النووية البيلاروسية، صرّح الرئيس لوكاشينكو بوجود 200 كيلوغرام من البلوتونيوم العسكري داخل المجمع النووي الفيزيائي المعروف باسم "يالينا". وإذا ما صحّت هذه المعلومة، فإنها تعني امتلاك بيلاروسيا قاعدة مادية محتملة لتطوير سلاح نووي محلي. ومع ذلك، لم تُرصد منذ ذلك الحين أي إشارات رسمية أخرى أو معلومات إضافية حول هذا البلوتونيوم أو نوايا بيلاروسيا بشأنه.

من جانبها، تمتلك أنقرة منشأة لتخصيب اليورانيوم، وتُبدي نشاطاً متزايداً في مجال الطاقة النووية السلمية، ما يراه بعض الخبراء ستاراً محتملاً لتطوير برنامج نووي ذي طابع عسكري.

الجدير بالذكر أن مشروع بناء محطة الطاقة النووية "أكويو " في تركيا، والذي تتولى تنفيذه مؤسسة "روس آتوم" الروسية، قد شارف على الاكتمال. وتعتزم أنقرة، وفق تصريحات رسمية، تزويد المحطة باليورانيوم من مصادرها الخاصة، مع احتفاظها بالوقود النووي المستنفد داخل أراضيها، ما يفتح الباب أمام امتلاكها لمواد انشطارية قابلة للاستخدام العسكري مستقبلاً.

وفي ختام التقرير نوه الموقع بأن  الهجوم الإسرائيلي على إيران غيّر المعادلة، ودفع ليس فقط طهران، بل أيضاً العديد من الدول  إلى إعادة التفكير في امتلاك سلاح نووي.
التعليقات (0)

خبر عاجل