اقتصاد عربي

جهاز سيادي يخالف تعهدات مصر لصندوق النقد ويشتري شركة حكومية

الجيش اشترى أسهم الشركة بثمن زهيد جدا لا يقارن بقيمتها الحقيقية- الأناضول
الجيش اشترى أسهم الشركة بثمن زهيد جدا لا يقارن بقيمتها الحقيقية- الأناضول
أدى استحواذ جديد من جهاز سيادي تابع للجيش المصري على إحدى أهم شركات الاستصلاح والاستزراع الحكومية بالبلاد، إلى غضب واسع بين المعارضين المصريين، خاصة وأن الصفقة تمت بثمن بخس لا يتعدى 5 بالمئة من قيمة أسهم الشركة السوقية، الأمر الذي فضحته عمليات التداول بالبورصة بعد إتمام الصفقة.

القصة بدأت الثلاثاء الماضي، بإفصاح للبورصة المصرية، يعلن استحوذ جهاز "مستقبل مصر للتنمية المستدامة"، التابع للقوات الجوية، الاثنين الماضي 18 آب/ أغسطس الجاري، على 89.66 بالمئة من إجمالي أسهم الشركة "العربية لاستصلاح الأراضي"، بعد شرائها من الشركة "القابضة لاستصلاح الأراضي وأبحاث المياه الجوفية" المالكة لها منذ 34 عاما، مقابل 23.3 مليون جنيه.

واشترى "مستقبل مصر" الذراع الاستثماري الأحدث للجيش المصري، أسهم الشركة بالقيمة الدفترية بنحو 5 جنيهات فقط، رغم أن القيمة السوقية للسهم قُدرت بـ122 جنيه تقريبا، حيث بلغ سعر السهم عند إغلاق البورصة المصرية الاثنين الماضي، 106.7 جنيه.


Image1_82025232116912152788.jpg
وفي تعاملات الثلاثاء، ارتفع سعر سهم "العربية لاستصلاح الأراضي" بالبورصة في ظل المالك الجديد بمعدل 20 بالمئة، ليصل إلى 128 جنيها، الأمر الذي اعتبره محللون ومراقبون "سرقة علنية وغير مبررة لأموال وأصول إحدى أهم شركات القطاع الحكومي بهذا المجال".


تناقض واضح
ويلفت البعض إلى أن الشركة الحكومية التي كانت تخضع لمراجعات الأجهزة الرقابية (الجهاز المركزي للمحاسبات)، (وهيئة الرقابة الإدارية) السنوية على أعمالها وميزانياتها وأرباحها أو خسائرها ببيانات تنشر سنويا، انضمت لإمبراطورية الجيش والأجهزة السيادية التي لا تُنشر ميزانياتها ولا أعمالها ولا تخضع لرقابة أجهزة مدنية، رغم طبيعة أعمالها المدنية، في "تناقض واضح"، وفق محللين.

ويرون أن حصول الجيش على قطاعات مدنية جديدة، يخالف تعهدات حكومية أمام صندوق النقد الدولي الذي طالب مرارا بتخارجه من قطاعات عدة لصالح القطاع الخاص، لتمرير باقي شرائح قرض المليارات الثمانية التي أقرها الصندوق لمصر، في ملف يشهد تعقيدات مع تباطؤ الجيش بطرح 5 شركات تابعة له.

وانتقد خبراء تدشين "جهاز مستقبل مصر"، للعمل في قطاع الاستصلاح الزراعي لوجود 3 شركات حكومية عملاقة تعمل في هذا المجال، وبرغم الحضور القوي لشركتين تابعتين لجهاز "مشروعات الخدمة الوطنية" التابع للقوات المسلحة المصرية.

وهم على التوالي: شركات "تنمية الريف المصري الجديد"، و"القابضة لاستصلاح الأراضي وأبحاث المياه الجوفية"، و"الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية"، إلى جانب شركتي "الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضي" التي تعمل منذ العام 1999، و"الوطنية للزراعات المحمية" التي تأسست نهاية 2016.

اظهار أخبار متعلقة



أهمية الشركة
الشركة "العربية لاستصلاح الأراضي"، تأسست عام 1964، لتتحول عام 1991 من القطاع الحكومي إلى "قطاع الأعمال" وتتبع الشركة "القابضة لاستصلاح الأراضي وأبحاث المياه الجوفية".

تركز على استصلاح وتنمية الأراضي الصحراوية، وتمتلك أسطول معدات ثقيلة من جرافات وحفارات وآلات زراعية، وساهمت باستصلاح 16 ألف فدان بالفيوم، و11 ألفا أخرى شمال سهل الحسينية بالشرقية، ومع دورها بمشروع "الدلتا الجديدة"، تنفذ مشاريع بنية تحتية بكفر الشيخ، وبورسعيد، والعاشر من رمضان.

وبحسب نشرة "إيكونومي بلس" الاقتصادية، تستهدف الشركة تحقيق صافي ربح 6.2 مليون جنيه بالعام المالي (2025-2026)، وإيرادات بنحو 192.3 مليون جنيه مقابل 198 مليون جنيه للعام المالي الماضي.

السيسي وضربة البداية
قبل حصول "مستقبل مصر" على نحو 80 بالمئة من أسهم "العربية لاستصلاح الأراضي"، منحه رئيس النظام  عبدالفتاح السيسي، فرصا استثمارية وتنموية هائلة، قفزا على صلاحيات وزارات وهيئات، منها: الزراعة، والتموين، والصناعة، والري، والتجارة، وغيرها.

أخذ الجهاز من صلاحيات جهاز "حماية وتنمية البحيرات"، و"هيئة الثروة السمكية"، وأدوار أجهزة تابعة لوزارات الزراعة والتموين، مثل "الهيئة العامة للسلع التموينية"، ويقوم بمشروعات زراعية كـ"الدلتا الجديدة"، وصناعية كمدينة "مستقبل مصر الصناعية"، وإسكان وتطوير عقاري مثل مشروع "جريان".

لم يكن قبل العام 2022، هناك ذكر للقوات الجوية بين الكيانات الاقتصادية والشركات التابعة للقوات المسلحة، والتي أهمها "جهاز مشروعات الخدمة الوطنية"، الذي يضم عشرات الشركات منها: "وطنية"، "صافي"، "سايلو فودز"، "الوطنية للزراعات المحمية"، "الوطنية للثروة السمكية"، "الوطنية للطرق"، "قها وإدفينا"، "كوين سيرفيس"، "العريش للأسمنت"، و"الوطنية للرخام".

وذلك إلى جانب "الهيئة الهندسية"، التي تتولى إنشاء الطرق والكباري والأنفاق، وبناء المدن الجديدة والعاصمة الإدارية، والقرى السياحية والمنتجعات، وإدارة الموانئ وبعض المطارات، بالإضافة لشركات "الهيئة العربية للتصنيع"، و"وزارة الإنتاج الحربي".

ليبرز دور القوات الجوية دون غيره من أسلحة الجيش بالاقتصاد، مع ظهور "جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة"، أيار/ مايو 2022، مع افتتاح السيسي مشروع استصلاح 800 ألف فدان بـ"الدلتا الجديدة" غرب النيل.

حينها جرى الكشف عن تدشين الجهاز، وفقا لقرار السيسي (591 لعام 2022)، الذي لم ينشر بالجريدة الرسمية وفق موقع "الشروق" المحلي، ليصعد اسم الجهاز وصلاحياته بشكل أثار تساؤلات الكثيرين، وبدا لافتا حضور رئيسه التنفيذي العقيد بهاء الغانم في اجتماعات رئاسية وحكومية عديدة.

سلسلة منح الثقة وتعاظم المهام
ووفق وصف "الهيئة العامة للاستعلامات" (حكومية)، فالجهاز "أحد أكبر الكيانات في العالم بمجالات وأنشطة التنمية بمشروعات الزراعة والتصنيع الزراعي والاقتصاد البيئي والمشروعات التكاملية"، ملمحا في تقرير له أيار/ مايو 2022، إلى بداية الجهاز "عام 2017 بمشروعات استصلاح زراعي بمساحات صغيرة".

الجهاز وخلال 3 سنوات أُسند إليه 8 مشروعات، هي: "الدلتا الجديدة" لاستصلاح 2.2 مليون فدان، و"سنابل سونو" 650 ألف فدان بالصحراء الغربية، و"المنيا وبني سويف" لاستصلاح 62 ألف فدان، و"قطاع السادات" 41 ألف فدان.

ومشروعي "الداخلة العوينات"، و"الكفرة" لاستصلاح 660 ألف فدان و600 ألف فدان بالصحراء الغربية، ومشروع "سيناء" لاستصلاح 450 ألف فدان بالصحراء الشرقية، والصوب الزراعية بـ"محور الضبعة"، و"اللاهون" بمحافظة الفيوم، لزراعة 4500 فدان، و12 ألف فدان.

ومطلع العام الجاري كلف السيسي، "جهاز مستقبل مصر"، بمتابعة مستجدات ملف الأمن الغذائي، وقرر إضافة "البورصة السلعية" لاختصاصاته، لتمر أعمال المصدرين والمستوردين عبر الجهاز، ويصبح نافذة موحدة لتداول واستيراد وتصدير السلع.

وفي 9 تموز/ يوليو الماضي، نقلت الحكومة ملكية 70 فدانا، بمحافظة الجيزة من ولاية معهد البحوث الزراعية، و14.39 فدان من ولاية وزارة الري، لصالح جهاز "مستقبل مصر للتنمية المستدامة".

ومطلع حزيران/ يونيو الماضي، جرى توقيع عقد إطلاق مدينة "جريان" بمحور الشيخ زايد بتحالف استراتيجي بين شركتي بالم هيلز، وماونتن فيو و"جهاز مستقبل مصر"، عبر ذراعه الجديدة شركة "نيشنز أوف ذا سكاي"، التي تأسست العام الماضي، بالتعاون مع جهاز سيادي مصري.

وفي 29 أيار/ مايو الماضي، اجتمع السيسي، بمدير جهاز "مستقبل مصر" العقيد بهاء الغنام، لبحث دور الجهاز بتوفير منتجات زراعية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الاستراتيجية، ووجود أرصدة كافية منها، والتوسع برقعة الأراضي الزراعية، وزيادة الإنتاج الزراعي.

في 21 أيار/ مايو الماضي، كلف السيسي، الجهاز بإدارة والسيطرة على 14 بحيرة مصرية هي جميع البحيرات المالحة بالبلاد، وبذلك تغول الجهاز العسكري، على صلاحيات جهاز "حماية وتنمية البحيرات"، و"هيئة الثروة السمكية".

وذلك بعد أن أوكل للجهاز صلاحيات الهيئة العامة للسلع التموينية باستيراد السلع الاستراتيجية كالقمح، واستلام القمح المحلي من الفلاحين، وافتتاح منافذ البيع والتي كان آخرها في حزيران/ يونيو الماضي بمدينة العبور شرق القاهرة، مع مشروعات صناعية مثل مدينة "مستقبل مصر الصناعية" التي جرى افتتاحها أيار/ مايو الماضي.

وفي نيسان/ أبريل 2024، أسند السيسي للجهاز مشروعات مثيرة للجدل، بتخصيص أراضي للاستصلاح والاستزراع بنطاق السويس والإسماعيلية شرق قناة السويس، وبشمال ووسط سيناء، بينها مساحة 78 ألف و361 فدان بمنطقتي "رابعة" و"بئر العبد" جنوب بحيرة البردويل، بعد إلغاء قرارات تخصيص سابقة لجهاز "مشروعات الخدمة الوطنية" التابع للجيش.

اظهار أخبار متعلقة



أحدث مشروعات الجهاز
أحدث مشروعات "مستقبل مصر"، الشهر الجاري، تدشين مركز "سفنكس"، كأكبر منصة لتداول وتخزين المنتجات الزراعية بالمنطقة العربية بمساحة 500 فدان، بطاقة استيعابية 20 مليون طن سنويا، تخدم المزارعين والتجار والمصدرين.

وفي 17 تموز/ يوليو الماضي، وقع الجهاز مذكرة تفاهم مع شركة "هواوي" الصينية لتعزيز التعاون الاستراتيجي في مجالات التكنولوجيا.

وأعلن في 22 حزيران/ يونيو الماضي، تدشين مصنع تجفيف البصل لتصديره، وقبلها بـ3 أيام بناء مصنع أعلاف، وفي اليوم الرابع من الشهر ذاته كشف عن بناء مجموعة صوامع حديثة للحبوب والمحاصيل الاستراتيجية، ليستقبل الجهاز في 31 أيار/ مايو الماضي، وفود خارجية ومسؤولين من أوزبكستانن وسيراليون.

وفي كانون الثاني/ يناير الماضي، ومع توسعات الجهاز بقطاعات عديدة فتح باب التعيين في وظائف الزراعة والعلوم الزراعية والهندسة الزراعية.

يكشف عن الحالة العامة
وفي قراءته لأسباب استمرار استحواذ الجيش على قطاعات واسعة من الاقتصاد، والحصول على شركات مدنية بأقل من قيمها السوقية، ونتائج هذا الوضع، وتأثيره على مناخ الاستثمار، وعدالة المنافسة مع القطاع الخاص، تحدث الخبير الاقتصادي والأكاديمي المصري، الدكتور أحمد ذكر الله لـ"عربي21".

أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة الأزهر، قال إن "أسباب كثيرة أدت لهذه الحالة، لكن المشكلة ليست في الحالة نفسها والتي يبدو فيها نوع من أنواع التربح الواضح، بل في تبعاتها".

وتساءل: "شراء جهاز مستقبل مصر لشركة حكومية لها تاريخ في مجال الاستثمار الزراعي، بـ5 بالمئة فقط من قيمتها السوقية، دون وجود أية شفافية لكفية الحصول على هذه الشركة؟، ولماذا ارتفعت أسهمها في البورصة المحلية بهذه النسبة الكبيرة بعد البيع بيوم واحد؟".

وانتقد الباحث الاقتصادي "عدم اهتمام المشتري أو حتى الدولة بنشر بيان لإيضاح المبررات والأسباب التي أدت إلى هذا الوضع".

وأكد أن "هذا يدلل على الحالة العامة التي نمر بها الآن، والتي بدأت بقرارات تحصين للعقود الحكومية من الطعن عليها بخلاف طرفي التعاقد، ثم انعدام كامل للشفافية، ثم توغل الجهات السيادية، (مستقبل مصر) وغيره، في الاستيلاء على الشركات وغيرها بشكل أو بآخر".

ويحصن القانون (32 لسنة 2014)، العقود التي تُبرمها الدولة مع المستثمرين الأجانب والمحليين من دعاوى القضاء التي تُقام من أطراف خارجية لا علاقة لها بالعقد.

الخطأ الأكبر
ذكر الله، يعتقد أن "الخطأ الأكبر هو ممارسة هذه الجهات للعمل الاقتصادي من الأساس، ثم إن ممارستها العمل الاقتصادي يترتب عليه بالتأكيد نوع من أنواع التجاوزارت، لأنه لا يستطيع أحد أن يراقبها أو يحاسبها في ظل دولة عسكرية ودولة أمنية".

وخلص للقول: "المشكلة الأكبر أن ذلك الوضع يعطي انطباعا عن المناخ العام الاستثماري في مصر، والذي أعتقد أنه ربما يتأثر بشدة من مثل هذه الموضوعات، خاصة في ظل الاحتكارات التي تمارسها شركات الجهات السيادية، وتلك التابعة لدول عربية، وجميعها لا تخلق أنماطا استثمارية يمكنها البقاء في الداخل".
التعليقات (0)

خبر عاجل