تتزايد الاعترافات الاسرائيلية، مع مرور الوقت، بأن محاولة الاغتيال الفاشلة لقيادة حماس في
الدوحة كانت خطأ استراتيجيا، تكلفته تفوق منافعه بالنسبة لهم.
صحيح أن المحاولة فشلت فشلا ذريعا من الناحية العملية، لكنها تسببت في ضرر سياسي جسيم، فقد أضرت بالثقة مع شركاء وحلفاء الاحتلال في العالم العربي، وعقّدت علاقات مع الولايات المتحدة، وعزّزت موقف أعدائه، ولم تُسهم في إطلاق سراح المحتجزين، أما من حيث النتيجة، فقد ظلّت "
إسرائيل" أكثر عزلة.
وذكر البروفيسور إيلي فودا أستاذ الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية بالجامعة العبرية، وعضو المجلس التنفيذي لمنظمة "ميتافيم" للشئون الإقليمية، أن "محاولة اغتيال قادة حماس في الدوحة مفاجئة رغم فشلها، ولكن حتى لو نجحت، فيبدو من حيث التكلفة والفائدة أن الجانب السلبي يفوق الإيجابي، لأن معظم نتائجها كان يمكن التنبؤ بها مسبقا".
وأضاف في
مقال نشرته القناة 12، وترجمته "عربي21" أن "أهم نتائج العملية الخطيرة أن "إسرائيل" دولة لا يمكن الوثوق بها، رغم أنها على مرّ السنين، بَنَت مع العديد من دول الخليج، بما فيها
قطر، علاقات ثقة من خلال اتصالات خلف الكواليس، وبذلت شخصيات رئيسية من الموساد ووزارة الخارجية، بمن فيهم رؤساء الموساد ومديرو الوزارة، جهودا كبيرة في تعزيز هذه العلاقات، ولذلك لم يكن مستغربا أن يعارض رئيس الموساد عملية الاغتيال، على الأقل في الوقت الحالي".
اظهار أخبار متعلقة
وأوضح أنه "بعيدًا عن حقيقة أن العملية من شأنها أن تضرّ بالعلاقات الإسرائيلية القطرية، فإن الإضرار بوسيط يتمتع بالحصانة بحكم منصبه يشكل عملاً غير عادي في الدبلوماسية، علاوة على ذلك، لدى الاحتلال بالفعل تاريخ من خرق الثقة، عندما حاولت دون جدوى اغتيال خالد مشعل على الأراضي الأردنية عام 1997، وعندما اغتالت محمود المبحوح في الإمارات العربية المتحدة عام 2010، وعندما سرّب
نتنياهو، على النقيض من ذلك، خبر لقائه مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في مدينة نيوم عام 2020، رغم أن الحديث يدور عن دول أقامت سلاما معنا، أو علاقات سرية،".
وأشار إلى أن "هذه العمليات أثارت مشاعر خيانة الثقة لدى الجانب العربي، وكانت النتيجة تضرر العلاقات لفترة طويلة، وتزايد الخوف من الهيمنة الإسرائيلية، وخشية دول الشرق الأوسط، بما فيها دول السلام والتطبيع، أن يكتسب الاحتلال مكانة مهيمنة في النظام الإقليمي، لأنه عندما طرح شمعون بيريز فكرة "الشرق الأوسط الجديد" بعد اتفاقيات أوسلو، واجه معارضة عربية بسبب المخاوف من الهيمنة الاقتصادية".
وأكد أنه "في أعقاب العمليات العسكرية منذ عامين في غزة وخارجها، ونتيجةً لتصريحات وزراء الحكومة التحريضية، يتعزز الاعتقاد السائد بأن الاحتلال يسعى جاهداً لإقامة "إسرائيل الكبرى" من الفرات إلى النيل، مما قد يدفع الأطراف الفاعلة في المنطقة للبحث عن بدائل، وعدم دفع قضايا إنهاء الحرب، والإفراج عن الرهائن للأمام، لأنه منذ البداية، لم يتضح كيف كان من المفترض أن يُسهم الهجوم في ذلك، وبالتالي فإن الاعتقاد الاسرائيلي بأن تصفية قادة حماس سيؤدي لتليين موقفها ليس له أساس".
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف أنه "من المنطقي افتراض أن محاولة الاغتيال ستعزّز بالفعل تصميم حماس في غزة على القتال حتى النهاية، علاوة على ذلك، حتى لو نجحت العملية، فربما أدت لإعدام الرهائن؛ ولو استمرت الحرب حتى النهاية المريرة، لانتهت بمقتلهم أيضًا".
ولفت إلى أن "محاولة الاغتيال الفاشلة في الدوحة دفعت بالولايات المتحدة إلى مكان ضيّق، فهي ترتبط بتحالف وثيق مع قطر، وتحالف إحداهما لا يأتي على حساب الأخرى، لكن الهجوم وضع
ترامب في موقف محرج، وكأنه مُجبر على "الاختيار" بين المهاجِم والمُهاجَم، وقد اختار الاحتلال لأنه علم بالهجوم مُسبقا، فلا عجب أن رد فعله ظهر مُترددا، مُتلعثما، ومائلا لاستغلال الموقف، ولإزالة الشكوك، أعلن سريعا عن لقاء مع رئيس وزراء قطر، مُؤكدا على التحالف القويٌ معها".
وتابع أنه "يصعب في هذه المرحلة قياس مدى الضرر الذي لحق بالعلاقات الإسرائيلية القطرية، لكن الأمثلة السابقة تُظهر أن خرق الثقة عوقب بتعليقٍ مؤقتٍ للعلاقات، قد يجادل البعض بأن الوساطة القطرية أو علاقاتها معها تضرّ بالاحتلال على أي حال، لاسيما في ضوء اللعبة المزدوجة التي تلعبها بين الطرفين، وبرامج الجزيرة العدائية، وتدفق الأموال للجمعيات الخيرية والمؤسسات الجامعية في الغرب لتعزيز الدعاية الإسلامية المعادية، لكنها في الوقت ذاته حافظت على علاقاتها بإسرائيل منذ إقامتها عام 1996، وقُطعت عقب حرب 2008، لكنها استمرت خلف الكواليس، منذ بدء تحويل الأموال إلى غزة وحماس بموافقة إسرائيلية".
اظهار أخبار متعلقة
وتؤكد الخلاصة الإسرائيلية أن هذه المحاولة الفاشلة جلبت مساوئ أكبر من فوائدها، ويرجح أن الغرور الناجم عن النجاحات العسكرية في ساحات أخرى ساهم في اتخاذ هذه الخطوة المتهوّرة، فيما لا يُستبعد أن تكون الاتهامات الموجهة إلى بنيامين نتنياهو في قضية "قطر غيت" قد دفعته للسعي إلى تجاوزها بهذه الطريقة، لكن يبدو أن قطر لا تنوي منحه فرصة وقف وساطتها، فهي ليست في عجلة من أمرها للتخلي عن الدور الذي منحها فرصة التواصل مع جميع الأطراف المتنازعة، خاصة الولايات المتحدة، ورفع من مكانتها عالميًا، رغم أن مشاعر عدم الثقة من جانبها تجاه الاحتلال ستظلّ تُعكّر صفو علاقاتهما.