قال مصدر قيادي بارز في حركة "
فتح" الفلسطينية إن
الاحتلال الإسرائيلي "يسعى بكل الوسائل إلى إفشال أي لقاء رسمي بين حركتي فتح وحماس، ويعمل على منع أي خطوات جادة نحو مصالحة وطنية أو اتفاق وطني شامل"، موضحا أن "الاحتلال يحاول، بكل جهده، إبقاء السيطرة على
غزة والضفة بشكل منفصل، ومنع أي مساعٍ لإنهاء الانقسام الفلسطيني وتعزيز الوحدة الوطنية”.
وأضاف المصدر، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، أن "هناك محاولات لترتيب زيارة سرية محتملة لبعض قيادات حركة فتح لضمان عدم تدخل الاحتلال، لكن من المؤكد أن الاحتلال يراقب ويحاول عرقلة أي تقارب بين الحركتين".
وكشف المصدر، في حديث خاص مع "عربي21"، أن "زيارة كل من نائب الرئيس الفلسطيني، حسين الشيخ، ومدير المخابرات الفلسطينية، ماجد فرج، إلى القاهرة كانت في إطار زيارة مؤسسات دولة فلسطين إلى الدولة المصرية، وليست زيارة مكلفة من حركة فتح بشكل رسمي، واللقاء الذي جرى مع
حماس جاء في إطار هامشي برغبة من الجانب المصري للدفع بالحوارات قدما إلى الأمام".
وذكر أن "الاجتماع بين الشيخ وفرج وحماس لم يحمل أي التزامات من الطرفين، لأنهما لم يكونا مكلفين بشكل رسمي من قيادة حركة فتح، بعكس الاجتماع الذي كان مُقررا عقده اليوم الثلاثاء، والذي كان يفترض أن يتناول تفاهمات وطنية شاملة، وكان سيحمل التزامات وطنية على الطرفين".
تداعيات إيجابية
وأشار المصدر إلى أن "منع الاحتلال لهذا الاجتماع لن يُعقّد الأمور كما يظن البعض، بل سيزيد من إصرار فتح وحماس على اللقاء واستكمال التفاهمات"، مؤكدا أن "الأثر سيكون إيجابيا على الفلسطينيين، وأن الحركتين ستكونان أكثر إصرارا على إتمام اللقاء والمصالحة الوطنية".
وأردف قائلا إن "حركة فتح تفكر في تشكيل وفد لا تتحكم إسرائيل في سفره من قياداتها في الخارج، مثل الدكتور سمير الرفاعي عضو اللجنة المركزية والمفوض العام للأقاليم الخارجية، وآخرين، وذلك لإتمام هذه اللقاءات الوطنية وإنجاح النقاشات بعيدا عن تدخل الاحتلال أو تحكمه في مجريات الأمور”.
والاثنين، منعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي وفدا من قيادات حركة فتح ضم نائب رئيس الحركة محمود العالول، وأمين سر منظمة التحرير الفلسطينية عزام الأحمد، ورئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح، من مغادرة الأراضي الفلسطينية عبر معبر الكرامة "جسر الكرامة".
يُشار إلى أن العالول لا يحمل بطاقة "كبار الزوار" (VIP) منذ سنوات، حيث سحبها الاحتلال عندما ذهب لتهنئة الأسير المحرر كريم يونس بعد الإفراج عنه من سجون الاحتلال في قريته عارة في الداخل في كانون الثاني/ يناير 2023.
وكانت "عربي21" أول وسيلة إعلامية تتحدث عن الزيارة التي سعت حركة "فتح" لترتيبها إلى العاصمة المصرية القاهرة.
والخميس الماضي، نقلت "عربي21" عن مصدر قيادي بحركة فتح قوله إن "زيارة وفد حركة فتح تهدف إلى استكمال التفاهمات النهائية وتثبيت الملامح الأساسية للاتفاق الخاص بلجنة الإسناد المجتمعي، وإعادة تنظيم إدارة قطاع غزة".
اظهار أخبار متعلقة
لجنة الإسناد المجتمعي
وفيما يتعلق بلجنة الإسناد المجتمعي لإدارة قطاع غزة، قال المصدر القيادي إن "الجانب المصري أبلغ حركة حماس بأن ماجد أبو رمضان سيُعيّن نائبا لرئيس الوزراء الفلسطيني، وهو الأقرب إلى تولي إدارة ملف غزة وتشكيل حكومة التكنوقراط، ورئاسة لجنة الإسناد"، مشيرا إلى أن "أمجد الشوا شخصية محترمة ومقبولة داخل حركة فتح، لكن من المهم أن تكون للشخص صفة حكومية حالية حتى لا يبدو المشهد وكأن هناك حكومتين أو شعبين منفصلين”.
وأكد المصدر أن "اللجنة ستبقى تابعة للحكومة الفلسطينية في جميع الأحوال، سواء كانت الحكومة الحالية أو أي حكومة أخرى يكلفها الرئيس
محمود عباس مستقبلا؛ فربما يصدر الرئيس قرارا بتكليف شخص آخر بخلاف الدكتور محمد مصطفى رئيسا للوزراء".
وأوضح أن "مصر قد تطلب إجراء تعديل حكومي يشمل شخصيات من غزة في حال تم التوافق بين الفصائل الفلسطينية، وإذا حصلت موافقة دولية، فلن تعارض السلطة الفلسطينية"، موضحا أن "هذا الأمر يخضع حصرا لقرار الرئيس أبو مازن، الذي تلقى دعوة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لزيارة القاهرة خلال اليومين القادمين".
محمود عباس في القاهرة
وأضاف أن "الرئيس محمود عباس سيصل إلى القاهرة مساء الخميس، تلبيةً لدعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي، في زيارة رسمية تهدف إلى بحث التطورات السياسية والجهود المصرية لتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية".
وتابع قائلا: "وجود الرئيس عباس في القاهرة ولقاؤه بنظيره المصري قد يفتح الباب أمام نقاشات سياسية لا يمكن للمتفاوضين التقليديين إنضاجها".
ولفت إلى أنه "قد يُعقد لقاء مغلق غير معلن بين الرئيس محمود عباس وقيادات من حماس أو من الفصائل الفلسطينية بطلب من وزير المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد، لكن الرئيس لن يناقش الخلافات الحركية بنفسه، لأنه يتصرف بصفته رئيس دولة فلسطين، لا كرئيس حركة فتح”.
وأكد أنه "من الطبيعي أن يجتمع الرئيس الفلسطيني مع مختلف أطياف المشهد السياسي الفلسطيني؛ فذلك يأتي في إطار لقاءات رئيس دولة فلسطين الطبيعية مع مواطنيه ومكونات العمل الوطني".
ولفت إلى أن "ملف الخلافات مع حماس تتولاه اللجنة المركزية لحركة فتح، وتحديدا نائب رئيس الحركة محمود العالول، وأمين سر منظمة التحرير الفلسطينية عزام الأحمد، ورئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح، الذين يقودون هذا الملف بتكليف مباشر من الرئيس محمود عباس، بينما الخلاف الحقيقي في الورقة المصرية للمصالحة ليس من جانب فتح، بل من جانب حركة حماس"، على حد قوله.
وقال المصدر إن "المطلب الدولي – وليس الفلسطيني – هو ألا تكون حركة حماس في حكم غزة، لا من قريب ولا من بعيد"، مُبيّنا أن "المقترح المصري يقوم على أن تتم إدارة المرحلة الانتقالية عبر لجنة إسناد مجتمعي تحت إشراف الشرطة الإدارية التابعة للشرطة المدنية الفلسطينية، بينما تضغط حماس لإدخال سبعة آلاف عسكري ضمن القوى الأمنية، وهو ما يُشكّل عقبة أساسية في التفاهمات".
وأضاف أن "قبول المجتمع الدولي بدمج هؤلاء العناصر الشرطية مشروط بموافقات مالية من الدول المانحة على تمويلهم، في وقت تعجز فيه السلطة الفلسطينية عن دفع أكثر من 50% من رواتب موظفيها بسبب احتجاز أموال المقاصة"، لافتا إلى أن "هذا يُشكّل عبئا إضافيا على موازنة السلطة الفلسطينية".
وأشار إلى أن "عملية إعادة الإعمار والتعافي تخضع لرؤية الحكومة الفلسطينية بالتعاون مع البنك الدولي والدول المانحة، وتبلغ تكلفتها ما بين 63 و70 مليار دولار، فيما تُعد الجهة الراعية الأساسية لهذه العملية البنك الدولي واللجنة الدولية لإعادة الإعمار، ونحن بالتنسيق مع مصر أنهينا تجهيز خمسين ألف وحدة سكنية بديلة حتى الآن".
وذكر المصدر أن "القيادة المصرية تتحرك في هامش مهم ومتزن، وموقفها ليس بعيدا عن موقف الرئيس الفلسطيني، وما توافق عليه المخابرات المصرية برعاية الرئيس السيسي ستتبناه السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، كما أن ما تخلص إليه تركيا وقطر سيكون أيضا جزءا من النقاشات الجارية مع القاهرة".
اظهار أخبار متعلقة
وأكد أن "المشهد السياسي الجديد يشهد توافقا عربيا بين مصر وتركيا والسعودية وقطر والأردن في إطار ما يُعرف بالسداسية العربية التي نسّقت مواقفها خلال الفترة السابقة مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حول مستقبل غزة".
حسين الشيخ ومروان البرغوثي
وفي تعليقه على الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمود عباس، الأحد الماضي، بشأن تولي نائبه حسين الشيخ مهامه الرئاسية في حال غيابه، قال المصدر إن "هذه الخطوة جاءت في إطار المسؤولية الوطنية لترتيب وتنظيم الوضع الداخلي الفلسطيني، لأن تكليفه في حال شغور المنصب لمدة تسعين يوما يعني حرمانه من حقه الطبيعي في الترشح للانتخابات المقبلة".
وزاد: "فلسطين لا يمكن أن تُحكم بالقوة أو بالسيطرة الفردية؛ فالنظام السياسي الفلسطيني قائم على التعددية والشراكة، ولا يملك أي طرف القدرة على الهيمنة على الحكم في ظل الارتهان للمساعدات الدولية والاستيلاء الإسرائيلي على مواردنا الطبيعية".
وأوضح أن "قضية تولي حسين الشيخ أو تحييده تخضع لما يقره الدستور الفلسطيني، وأن أي ترتيبات انتقالية ستكون وفق القانون الفلسطيني، لكنه في الوقت ذاته شخصية براغماتية ومسؤول يدرك جيدا حجم التحديات التي تمر بها المرحلة الحالية، ويتعامل بعقلانية عالية مع مختلف المكونات الفلسطينية".
وأشار إلى أن "العلاقة بين حسين الشيخ ومروان البرغوثي علاقة تنافس تاريخي؛ فكل منهما لم ينجح في إقصاء الآخر، وظلا يُشكّلان رمزين متوازيين داخل حركة فتح وفي الوعي الشعبي الفلسطيني".
وتابع قائلا: "هناك توقعات بأن تحاول إسرائيل مستقبلا إطلاق سراح مروان البرغوثي في خطوة يائسة تهدف إلى إرباك المشهد الفلسطيني الداخلي، رغم أنني أعرف جيدا أن مروان كان قد وافق سابقا على إدراج اسمه في قائمة الأسرى مقابل إبعاده خارج فلسطين"، مؤكدا أن "قضية إبعاده إلى غزة غير واردة، لأن مروان لن يقبل أن يُعيّن حاكما لغزة بقرار أمريكي أو إسرائيلي؛ فهو رجل يؤمن بالانتخابات والشرعية الشعبية".
وأكد المصدر أن "مروان البرغوثي يظل أحد أبرز الخيارات الوطنية للمرحلة القادمة، وقد يكون خيار حركة فتح في أي انتخابات عامة مقبلة، باعتباره مرشحا قادرا على توحيد الصف الفلسطيني"، منوها إلى أن "المشهد الانتخابي المقبل قد يشهد مشاركة من قيادات حماس تحت أسماء جديدة مثل تيار النهضة أو الجماعة الإسلامية أو أي اسم آخر، وبالطبع لا يمكن استبعاد أي طرف فلسطيني من هذا الحق”.
وختم المصدر القيادي في حركة فتح حديثه قائلا إن "اللاعبين الإقليميين كُثر – قطر وتركيا ومصر والسعودية – ولكل منهم تأثيره في الملف الفلسطيني، لكن تبقى مصر الطرف الأكثر التزاما وعمقا في الدفاع عن الوحدة الفلسطينية، وهي الضامن الحقيقي لربط فلسطين بعمقها العربي الاستراتيجي".
وفي 10 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، دخلت المرحلة الأولى من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى حيز التنفيذ، وفقا لخطة ترامب، بوساطة مصر وقطر والولايات المتحدة وتركيا.
وبدعم أمريكي، ارتكبت إسرائيل منذ 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إبادة جماعية بغزة، خلّفت 67 ألفا و913 شهيدا، و170 ألفا و134 جريحا، معظمهم أطفال ونساء، ومجاعة أزهقت أرواح 463 فلسطينيا بينهم 157 طفلا.