ملفات وتقارير

مأساة طمرة تكشف التمييز العنصري لفلسطيني الداخل.. القبة الحديدية "نظام فرز عرقي"

البلدات الفلسطينية وصفت بأنها مناطق "مفتوحة" حيث يسمح للصواريخ بالسقوط فيها - جيتي
شهدت بلدة طمرة الواقعة في منطقة الجليل السفلي داخل الأراضي المحتلة مأساة إنسانية مؤلمة، إثر سقوط صاروخ إيراني أدى إلى استشهاد أربع نساء من عائلة الكاتبة الفلسطينية منار الخطيب وشقيقتها، وإصابة نحو 40 آخرين.

ولم يكن الحدث المفجع مجرد ضربة عسكرية عابرة، بل كشف بشكل صارخ عن فجوة أمنية عميقة بين الفلسطينيين في الداخل الإسرائيلي والمستوطنين اليهود، فظهر التمييز العنصري الذي يعاني منه الفلسطينيين في الداخل حتى في منظومات الحماية المدنية مثل "القبة الحديدية".

صاروخ طمرة كشف مأساة التمييز

رغم التطور التقني الكبير الذي تتمتع به منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية، إلا أن الحماية التي توفرت للمستوطنات اليهودية تختلف اختلافًا واضحًا عن تلك المقدمة للفلسطينيين في الداخل.

وكانت بلدة طمرة، التي تعاني من نقص حاد في الملاجئ وغرف الحماية، هدفا لحادثة غير محمية بشكل كافٍ، وبحسب شهادات الناجين وعلى رأسهم الكاتبة منار الخطيب، لم يكن هناك مأوى آمن يلجأون إليه عند سقوط الصاروخ، وهو ما أدى إلى وقوع خسائر فادحة في الأرواح.


وقالت الخطيب في تصريحات إعلامية: "رسالة إسرائيل واضحة، حياة الفلسطينيين في الداخل أقل قيمة من حياة المستوطنين، ونحن نتعرض للفصل العنصري حتى في الحماية الأمنية، وهذا ما يجعلنا نعاني أكثر من الصاروخ نفسه".



الفصل العنصري في أراضي 48: واقع متجذر
التمييز في الحماية ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد طبيعي لفصل عنصري ممنهج ضد الفلسطينيين الذين يعيشون داخل ما يُعرف بـ"الخط الأخضر" أو أراضي 1948. هذا الفصل العنصري يمتد إلى مختلف جوانب الحياة

ولا يقتصر الفصل العنصري داخل إسرائيل فقط على السياسات الاقتصادية والاجتماعية، بل يمتد إلى منظومات الحماية المدنية، حيث يعاني الفلسطينيون داخل الخط الأخضر من حرمان ممنهج ومستمر، حيث تُخصص أغلب الميزانيات والتقنيات المتطورة لحماية المستوطنات والمدن اليهودية.

ويكرس القانون الأساسي "دولة إسرائيل - القانون القومي" الذي أُقر عام 2018، هذا الفصل، معلنا إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي فقط، ما يقوض حقوق الفلسطينيين كمواطنين داخل الدولة، وهذه القوانين تشكل الأساس الذي تبنى عليه سياسات التمييز في مختلف المجالات، ومنها الحماية المدنية.

وفقًا لمنظمة العفو الدولية في تقريرها الأخير عام 2024، فإن التمييز في توزيع الموارد الأمنية جزء من سياسة ممنهجة تهدف إلى تهميش الفلسطينيين في الداخل وإضعاف تمسكهم بحقوقهم المدنية والسياسية.

القبة الحديدية: نظام للفرز العرقي لا الأمني
وتعمل القبة الحديدية التي تشتهر عالميا بقدرتها على اعتراض الصواريخ، عمليًا على أساس أولوية عرقية، وتقارير منظمات حقوق الإنسان مثل هيومن رايتس ووتش وعدالة أكدت أن دفاعات القبة الحديدية موجهة بشكل أساسي للمستوطنات اليهودية، بينما تترك البلدات العربية عرضة للخطر.

وعلى سبيل المثال في منطقة النقب، وصفت البلدات الفلسطينية بأنها مناطق "مفتوحة"، حيث يسمح للصواريخ بالسقوط فيها، دون وجود ملاجئ أو نظام إنذار فعال، هذا التصنيف يدل على استراتيجية أمنية تعتمد على التمييز العنصري بوضوح.



نقص الملاجئ والحماية المدنية في البلدات العربية
وتعاني البلدات العربية داخل الاحتلال الإسرائيلي من نقص حاد في الملاجئ وغرف الحماية مقارنة بالمستوطنات اليهودية، حسب تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية في تشرين الثاني / نوفمبر 2024 سلط الضوء على بلدة طمرة كنموذج، حيث يوجد ملجأ واحد فقط يخدم عشرات آلاف السكان، مقابل مئات الملاجئ في المدن اليهودية المجاورة.


وتشير إحصائيات مركز "مدى الكرمل" إلى أن أقل من 10 بالمئة من المنازل في البلدات العربية مزودة بغرف آمنة، في حين تبلغ النسبة في المدن اليهودية أكثر من 70بالمئة، هذا الفرق الهائل يوضح مدى الإهمال الممنهج الذي تتعرض له المجتمعات الفلسطينية داخل إسرائيل.

كما أشار مركز بتسيلم الحقوقي الإسرائيلي في تقرير نُشر في كانون الأول /  ديسمبر 2024 إلي أن المستوطنات اليهودية تحظى بملاجئ ومرافق دفاعية متطورة، في مقابل تقصير متعمد في حماية التجمعات الفلسطينية.

نقص الميزانيات والبنية التحتية الأمنية
وتعاني البلديات العربية من نقص شديد في الميزانيات، ما يحول دون تطوير شبكة حماية مدنية متكاملة، فوفقًا لتقرير صحيفة هآرتس العبرية لعام 2024، تُخصص أكثر من 90 بالمئة من ميزانيات التحصين المدني للدفاع عن المستوطنات اليهودية، بينما تحصل البلدات العربية على نسبة ضئيلة لا تكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية.

هذا التمييز المالي يزيد من هشاشة الفلسطينيين داخل أراضي 48، ويعرض حياتهم للخطر خاصة في فترات التصعيد العسكري.

ردود فعل حقوقية وسياسية
واستنكرت منظمات حقوق الإنسان والحركات السياسية الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة هذا التمييز، معتبرين إياه انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، وقال النائب الفلسطيني في الكنيست، الدكتور أحمد الطيبي: "إسرائيل تفرق بوضوح بين حياة اليهود وحياة الفلسطينيين، فالأمن والحماية يقتصران على المستوطنات."


وطالبتا مؤسستى هيومن رايتس ووتش وعدالة بإنهاء هذا التمييز، محذرتين من أن استمراره يهدد السلم الأهلي ويزيد من حدة التوترات في الداخل.

صمت دولي وتجاهل رسمي
وعلى الرغم من وجود تقارير حقوقية وإعلامية موثقة، فإن المجتمع الدولي يتعامل مع هذه القضية بصمت نسبي، ولم تصدر إدانات رسمية قوية من قبل دول كبرى أو مؤسسات أممية، وهو ما يعزز حالة الإهمال التي يعاني منها فلسطينو الداخل.

من جهة أخرى، ترفض حكومة الاحتلال الإسرائيلي هذه الاتهامات، مؤكدة أن توزيع منظومة القبة الحديدية يتم وفق معايير أمنية بحتة، بينما تؤكد مصادر عسكرية أن الأولوية تُعطى للمراكز الاقتصادية والسكانية الكبرى، وهو ما يعني فعليًا التمييز ضد الفلسطينيين.