قضايا وآراء

المشكلة ليست إيران.. المشكلة في الإخوان

إن اللحظة الراهنة تمثل فرصة لا للشماتة في إيران وشعبها، وإنما لتذكير إيران بأنها جزء من الأمة الإسلامية وأنها في حاجة ماسة إلى دعمها لا إلى الصراع معها..
كما هو متوقع، أثارت رسالة القائم بأعمال مرشد الإخوان المسلمين، الدكتور صلاح عبد الحق، ردود فعل غاضبة من قبل شخصيات ومجموعات إسلامية وإخوانية. دفعت بعضها للتبرؤ من الإخوان، واتهامها بمبايعة المرشد الإيراني، والتنكر لآلام الشعوب العربية في سورية والعراق واليمن، والغفلة عن التهديد الذي يمثله المشروع الإيراني والذي لا يختلف من وجهة نظر هؤلاء عن التهديد الذي يمثله المشروع الإسرائيلي الصهيوني.

وفي ضوء هذه الردود ثمة إشارات تستدعي تسليط الضوء عليها:

أولا ـ ثمة مزايدة لا تليق، كما أنها غير منصفة، على موقف الإخوان في مصر من الثورة السورية. فالموقف الرسمي لإخوان مصر، وموقف رموزهم وكوادرهم، من الثورة السورية، قبل الحكم وأثنائه وبعده، موثق ومعروف ولا حاجة لاستدعائه. ولم يكن ثمة محطة واحدة وقف فيها إخوان مصر موقف المتردد أو الممسك بالعصى من المنتصف إزاء دعم الثورة السورية ورفض الجرائم الإيرانية بحقها. وهذا ينطبق بنفس القدر على موقف الإخوان إزاء الثورة اليمنية وإزاء مظالم يتعرض لها أهل السنة في العراق.

بينما كان الإخوان في مصر يواجهون حملة أمنية قاسية محلية وإقليمية، لم يصدر عنهم موقفا رسميا واحدا يندد بخيارات اتخذتها حركة حماس أو الإخوان في سورية أو حزب الإصلاح في اليمن أو حزب النهضة في تونس أو غيرهم.
ثانيا ـ إن الإخوان في مصر بصورة خاصة لم يكونوا أبدا عبئا على غيرهم من التنظيمات والحركات الإسلامية في خياراتهم السياسية الوطنية. فبينما كان الإخوان في مصر يواجهون حملة أمنية قاسية محلية وإقليمية، لم يصدر عنهم موقفا رسميا واحدا يندد بخيارات اتخذتها حركة حماس أو الإخوان في سورية أو حزب الإصلاح في اليمن أو حزب النهضة في تونس أو غيرهم. ولا يرجع هذا فحسب إلى يقين الإخوان في مصر من صدق ونزاهة هؤلاء جميعا، ولكن أيضا لأن فترة الحكم القصيرة جعلت الإخوان أكثر تفهما لتعقيدات السياسية وإكراهاتها، والتي أحيانا تفرض خيارات على أطرافها.

وحتى في حالتنا الراهنة، فإن الإخوان لم يتخذوا موقفهم من إيران بناء على حسابات وطنية محلية ستعود عليهم بنفع خاص. فإيران ليست طرفا في المعادلة المصرية، ولا ينتظر منها الإخوان دعما ماديا أو وساطة مع القاهرة أو حتى الضغط عليها. بل إن طهران كانت بالفعل مؤخرا في وسط عملية لتطبيع العلاقات مع القاهرة.

كما أن الإخوان لم يسعوا إلى "خطب ود إيران" ـ كما اتهمهم بعض إخوانهم ـ في الوقت الذي كان الإخوان فيه في أضعف حالاتهم وكانت إيران في أقوى لحظات تمددها الإقليمي. على العكس، جاء موقف الإخوان في لحظة يواجه فيها النظام الإيراني برمته خطرا وجوديا، وبعد هزيمة قاسية في سورية ولبنان. أي أنها خطوة لا تنتظر مقابلا من إيران بالمعنى الضيق، وإنما هي خطوة مبدأية تماما تتعلق برفض الاعتداء الصهيوني على إيران، والتحذير من تداعياته الجيوسياسية الواسعة في حال نجاحه على مجمل المنطقة، بما فيها دول الخليج ومصر وتركيا وحتى النظام السوري الوليد.

إن هذه الخطوة جاءت استجابة لما يعتبره الإخوان مصلحة عامة للأمة كلها. فقد بات واضحا تماما أنه لا نجاة فردية لأي دولة من دول المنطقة، التي تبدو أي منها بمفردها ضعيفة وهشة في مواجهة جنون وغطرسة القوة العسكرية الإسرائيلية، وسيكون موقع أي منها في أحسن الأحوال هو موقع التابع في نظام هيمنة إقليمي جديد تتحكم فيه "إسرائيل" المنتصرة والمظفرة. لذلك؛ فإن الوقوف الصريح ضد العدوان الصهيوني على إيران هو ضرورة لدول المنطقة كلها لردع الاحتلال، ومنعه من الاستفراد لاحقا بسوريا التي مازال مشروعه إزائها هي التقسيم أو ضمان البقاء ضعيفة ومستباحة لأطول فترة ممكنة. ومنعه لاحقا من فرض التهجير على مصر والأردن، والتطبيع على السعودية دون حتى أن يقدم لها ثمنا، أو فرض واقع على الحدود المصرية ينتقص من أمن مصر أو من سيادتها.

ثالثا ـ إن الدعوة التي أطلقتها الرسالة بضرورة توحد الأمة، موجهة قبل أي شيء إلى القيادة الإيرانية نفسها. فليس السوريين أو العراقيين أو اليمنيين هم من قسّموا الأمة وخلقوا صدعا طائفيا هدد وحدتها خلال العقدين الماضيين. كانت إيران هي من تسبب في ذلك، وبالتالي هي أول من يخاطب بهذا الأمر، وقد دعتها الرسالة بلغة واضحة إلى العمل على تجاوز "آثار وأخطاء السنوات الماضية التي نالت من وحدة الأمة وصرفت بعض جهودها لصراعات داخلية، كان -دائما- المستفيد الرئيسي منها هم أعداء الأمة. "ربما كانت هذه الدعوة إشارة عابرة لا ترضي الغاضبين، وأنه كان من الأكثر توازنا أن تكون إشارة أكثر تفصيلا للتأكيد على أن الجماعة لا تتوجه بهذه الدعوة لإيران من قاعدة (اللي فات مات)، وإنما على قاعدة الاعتراف بالأخطاء وتصحيحها من أجل إعادة توحيد جهود الأمة. وعلى الرغم من أن الإشارة جاءت مقتضبة، إلا أنها مفهومة للجهة المستقبلة، وكافية في تأكيد هذه الرسالة في حدود مقبولة في الظرف الراهن.

الإخوان لم يسعوا إلى "خطب ود إيران" ـ كما اتهمهم بعض إخوانهم ـ في الوقت الذي كان الإخوان فيه في أضعف حالاتهم وكانت إيران في أقوى لحظات تمددها الإقليمي. على العكس، جاء موقف الإخوان في لحظة يواجه فيها النظام الإيراني برمته خطرا وجوديا، وبعد هزيمة قاسية في سورية ولبنان.
رابعا ـ لا يعني هيا أن الخلاف بين الإخوان وبين بعض المنتقدين مجرد خلاف في طريقة التعبير وتوازن الصياغة. هو كذلك لا ريب مع جزء من المنتقدين كان سيطمئنهم مزيد من التفصيل. لكن مع البعض الخلاف أوسع من ذلك. فهناك من يخرج إيران من الأمة الإسلامية، ولا يفرق بين مشروع سياسي قصير النظر والعمر تتبناه قيادة بلد ما، وبين تراب هذا البلد وشعبه وتاريخه الذي لا ينفصل عن تراب وشعب وتاريخ المسلمين. هناك الخلاف يبدو واضحا واستراتيجيا بين من يؤمن أن إيران وشعبها جزء من الأمة الإسلامية وأن المطلوب هو تغيير السياسات العدوانية، وتغليب منطق التكامل والتعاون والتراحم، وبين من يساوي بين إيران وبين "إسرائيل" ويتمنى أن يصحو من نومه فلا يجد كلاهما في المنطقة. وهذا شذوذ بمنطق السياسة، وبمنطق حقائق التاريخ والجغرافيا. بل إن دول الخليج نفسها تراهن على دمج إيران تدريجيًا في النظام الإقليمي لتعزيز الاستقرار والنمو، وقد ازداد هذا التوجه أهمية خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث حقق الانفتاح مع طهران نتائج أفضل للطرفين من عقود العداء.

إن إيران هزمت في سورية، وقد بارك الإخوان المسلمون انتصار الثورة السورية وتحرير البلاد من النظام البائد. وإن اللحظة الراهنة تمثل فرصة لا للشماتة في إيران وشعبها، وإنما لتذكير إيران بأنها جزء من الأمة الإسلامية وأنها في حاجة ماسة إلى دعمها لا إلى الصراع معها. وأن اللحظة مناسبة لإعادة تأسيس علاقة إيران بدول المنطقة على أسس تختلف عن السنوات الماضية.

خامسا ـ يحار المرء كثيرا إزاء جرأة الإخوان على أنفسهم، وسهولة طعنهم في ضمير إخوانهم وكرامتهم، بينما نفس هؤلاء لم يرفعوا يوما صوتا إذا أعادت دولة حليفة لهم العلاقات مع إيران، أو إذا التقى مسؤولو النظام السوري الجديد بالمسؤولين الإيرانيين. لقد أثنى الشهيدين أبو العبد والسنوار على دعم إيران للمقاومة، وكرر ذلك أبو عبيدة في غير مناسبة، ولم يقابل ذلك في أي مرة بمثل ما قوبل به بيان أو رسالة من الإخوان. يبدو إذا أن المشكلة في الإخوان وليست في إيران. فلأن الهجوم عليها ليس مكلفا حاليا، أصبحت الإخوان مستباحة من الجميع، حتى من قبل أبنائها.