كتاب عربي 21

حادث مروري مروع يكشف إخفاق النظام المصري

"استمرار حوادث الطرق الجماعية: رغم التهليل الإعلامي لشبكة الطرق الجديدة التي أنجزها النظام الحالي"- التواصل الاجتماعي
كشف حادث مصرع 18 فتاة على أحد الطرق الرئيسية في مصر خلال عودتهن من عملهن بقطف العنب، بالإضافة إلى سائق السيار، عن تعدد حوادث السيارات على هذا الطريق الإقليمي حتى أسماه الكثيرين طريق الموت منذ عام 2019، أي بعد افتتاحه بأشهر قليلة في أيلول/ سبتمبر 2018 من قبل الجنرال المصري، والإشادة الإعلامية به باعتباره أكبر طريق في الشرق الأوسط حسب زعمهم، وهي الحوادث التي استمرت حتى في اليوم التالي لمقتل فتيات قرية السنابسة الثماني عشرة في محافظة المنوفية.

وتعاطف الجمهور المصري مع ضحايا الحادث الأليم نظرا لصغر أعمارهن، ووجود ثلاث طالبات جامعيات بينهن، في كليات الهندسة والآداب والتمريض، وسعيهن لتدبير مصروفات الدراسة والتجهيز للزواج ومساعدة الأسر، وخروجهن للعمل في المزارع المكشوفة رغم ارتفاع حرارة الجو، بينما يشكو الجالسون بجوار المراوح من شدة الحر. وخرجت أمهاتهن باكيات في الجنازة الجماعية وسط تشييع حاشد شارك فيه أهل القرية والقرى المجاورة، ليكشف حادث فتيات المنوفية الأخير عن العديد من جوانب الإخفاق للنظام المصري ومنها:

أولا: تدني الأجور الحقيقية للعمل في القطاع الخاص: حيث بلغ متوسط أجر الفتاة في اليوم لقطف العنب 130 جنيها يوميا، بينما يصرح المجلس القومي للأجور عن رفعه للحد الأدنى للعمل بالقطاع الخاص إلى سبعة آلاف جنيه شهريا منذ آذار/ مارس الماضي، أي بمتوسط 233 جنيه يوميا، بعد أن كان ستة آلاف جنيه شهريا منذ أيار/ مايو من العام الماضي، كما لم يتحقق ما أعلنه المجلس القومي للأجور عن وضع حد أدنى للأجر للعمل المؤقت بقيمة 28 جنيها في الساعة، وهو ما يعني في حالة العمل لثماني ساعات بلوغ الأجر 224 جنيه يوميا.

عدم مراعاة المواصفات عند تنفيذ الطرق الجديدة: حيث امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بالشكوى من سوء حالة الطريق الذي شهد مصرع الفتيات، والذي اعتبروه الأخطر بالمقارنة بالطرق الأخرى المحلية والعربية الأشد خطرا

وهذا البون الشاسع بين ما يعلنه المجلس القومي للأجور والواقع داخل شركات ومحلات القطاع الخاص أمر متكرر في جميع أنحاء البلاد، حيث يتراوح متوسط الأجر الشهرى بين 3000- 3500 جنيه.

إسناد المشروعات بالأمر المباشر

ثانيا: عدم مراعاة المواصفات عند تنفيذ الطرق الجديدة: حيث امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بالشكوى من سوء حالة الطريق الذي شهد مصرع الفتيات، والذي اعتبروه الأخطر بالمقارنة بالطرق الأخرى المحلية والعربية الأشد خطرا، وأرجعوا سوء حالة الطريق إلى إقامته على أرض زراعية وعدم دك الرمال بالشكل المطلوب بسبب الرغبة في سرعة التنفيذ، مما أسفر عنه هبوط أرضية الطريق نتيجة ما يمر عليها من عربات نقل مُحملة، إلى جانب كثرة منحنياته ومطباته وقل إضاءته.

واستعرض البعض نماذج أخرى من الطرق التي نفذتها الشركة الوطنية للطرق التابعة للجيش، والتي تطلبت أعمال إصلاح بعد افتتاحها بأشهر قليلة، مثل طريق بورسعيد الإسماعيلية، وأشاروا إلى عدم محاسبة لجان تسلم تلك الطرق بعد اكتمالها.

واستند البعض لما شاهدوه من إسناد الجنرال تنفيذ مشروعات طرق وكباري إلى مقاولين بالأمر المباشر في احتفالية عامة، وهو ما يعرفه المصريون بالحوار مع الحاج سعيد المقاول، وبما يخالف قانون المناقصات الحكومية الذي يتطلب طرح المشروعات المطلوب تنفيذها على الكافة، ودراسة العروض الفنية والمالية من المقاولين واختيار الأنسب من بينها من خلال لجان متخصصة.

ثالثا: عدم وجود تأمين على العمالة غير المنتظمة: حيث قام الجنرال قبل ترشحه لفترة رئاسية ثانية بالإعلان عن مشروع للتأمين على العمالة الحرة والموسمية، من خلال شهادة الأمان التي أصدرتها أربعة بنوك مملوكة للحكومة، هي الأهلي ومصر والقاهرة والزراعي، بالتعاون مع شركة مصر لتأمينات الحياة، في الرابع من آذار/ مارس 2018، بقيمة 500 جنيه للشهادة وحتى 2500 جنيه بعائد 16 في المئة يصرف بنهاية مدة الشهادة البالغة ثلاث سنوات، لكن التعويضات التي تراوحت في حالة الوفاة ما بين عشرة آلاف جنيه لشهادة الـ500 جنيه إلى 50 ألف جنيه في حالة شهادة الـ2500 جنيه، لم تكن جاذبة للعمالة غير المنتظمة.

وحتى لا يتم إعلان فشل المشروع صدرت التعليمات إلى الشركات التابعة لوزارة البترول وهيئة المجتمعات العمرانية وغيرها، لشراء الشهادات إجباريا من قبل العاملين الدائمين فيها، حتى يتم الإعلان عن موجود مبيعات للشهادة والتي انحسر الإقبال عليها بعد ذلك.

الحادث يفسد الاحتفالات بالإنجازات

رابعا: استمرار حوادث الطرق الجماعية: رغم التهليل الإعلامي لشبكة الطرق الجديدة التي أنجزها النظام الحالي، فإن استمرار حوادث الموت الجماعي عليها يشكك في كفاءة القائمين عليها، حيث تزخر ذاكرة المصريين بالعديد من الحوادث ومنها تفحم جثث 17 طالب، وإصابة 18 في أتوبيس رحلات مدارس قرب قرية أنور المفنى التابع لمركز أبو حمص في محافظة البحيرة، وتفحم أربع سيارات في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، وهو نفس الشهر الذي شهد مصرع 11 طالبة في جامعة سوهاج خلال عودتهم من مقر الجامعة الجديد في منطقة الكوامل.

وفي الشهر السابق لذلك شهد طريق أسوان الدولي مصرع 16 شخصا من أبناء محافظة الفيوم وإصابة 15 آخرين، وها هو حادث طريق الجلالة الذي راح ضحيته 12 من طلاب كلية الطب وإصابة 29 آخرين خلال عودتهم من الدراسة إلى مكان سكنهم، أما الطريق الإقليمي فيكاد يشهد حوادث يومية، منها ما حدث في نيسان/ أبريل الماضي بمصرع خمسة أفراد من أسرة واحدة.

ولهذا شعر النظام بالحرج من الحادث الأخير، خاصة وأنه يحتفل بذكرى الثلاثين من حزيران / يونيو التي يتغنى خلالها بإنجازاته المختلفة ومنها شبكة الطرق الجديدة، فحادث فتيات قرية السنابسة جعل الناس يقارنون بين ما يعيشونه من واقع مؤلم للطرق وبين ما تفاخر به وسائل الإعلام من تحسن مركز مصر في مؤشرات الطرق في العالم، كما يقارنون بين طول فترة إصلاح الطريق الإقليمي الذي يتصل بأربعة محافظات يعيش فيها أكثر من 20 مليون شخص، وبين الاهتمام بطرق العاصمة الإدارية الجديدة التي لم يسكنها سوى عشرات الأسر حتى الآن، من قطار كهربائي تم تشغيله وأتوبيس ترددي بدأ عمله مع مونوريل خلال أسابيع.

رغم ما عبر عنه بعض المسؤولين مثل وزيري العمل والتضامن الاجتماعي من مشاعر الأسى تجاه الحادث، إلا أن المصريين لا يتوقعون حلولا جذرية لحوادث الطرق المستمرة، حيث لا توجد رقابة برلمانية على الحكومة وتم تعطيل الاستجوابات للحكومة في البرلمان الحالي

خامسا: غياب إدارة الأزمات: مع وقوع حادث فتيات قطف العنب يوم الجمعة الماضي وهو يوم إجازة رسمية، لم يصدر بيان من أية جهة حكومية حول الحادث ولم تجد وسائل الإعلام من يمدها بالمعلومات عنه، كما تأخرت سيارات الإسعاف في الوصول إلى مكان الحادث، حيث غطى الأهالي جثامين الضحايا بما تيسر لهم من أوراق، وحتى وزارة النقل المسؤولة عن الطرق لم يجرؤ مسؤول فيها عن التصريح بشيء، لوجود الوزير خارج البلاد، الأمر الذي يزيد من قناعة الجمهور بوجود مراكز قوى وزارية، منها وزير النقل الذي لم يطاله التغيير رغم وقوع العديد من حوادث الطرق والقطارات في عهده، بل تم تكريمه بإسناد وزارة الصناعة إليه أيضا، كما ترشحه الشائعات لتولي رئاسة الوزارة عقب الانتخابات البرلمانية المقبلة.

النقاط الخطرة بالطرق بانتظار العلاج

وارتبط بذلك انحسار الاهتمام الإعلامي بالقضايا الشعبية وانتظاره للبيانات الرسمية حول الأحداث ومنها الحادث الأخير، بينما كان نفس الإعلام في فترة الرئيس مبارك ومن قبله يهرع إلى مكان أي حادث هام لينقل الحدث على الطبيعة للجمهور، وبالطبع لا يستطيع أحد التعرض للشركة الوطنية للطرق المسؤولة عن صيانة الطريق الإقليمى وتحصل رسوما من السيارات المارة عليه من أجل ذلك، أو الهيئة الهندسية للجيش التي شاركت في تنفيذه وتشرف على إصلاحه حاليا.

وارتبط بذلك خروج بعض الأصوات للوم رئيس الوزراء لعدم تعرضه لحادث الفتيات بالمرة رغم خروجه لافتتاح أحد المصانع في اليوم التالي للحادث، وبالطبع لم يجرؤ أحد بالتلميح إلى صلة الجنرال بتلك الحوادث، في مشهد معاكس تماما لم قاموا به من توجيه نقد مباشر للرئيس محمد مرسي عند وقوع حادث قطار في عهده.

سادسا: لا حلول جذرية لأية قضية مجتمعية: رغم ما عبر عنه بعض المسؤولين مثل وزيري العمل والتضامن الاجتماعي من مشاعر الأسى تجاه الحادث، إلا أن المصريين لا يتوقعون حلولا جذرية لحوادث الطرق المستمرة، حيث لا توجد رقابة برلمانية على الحكومة وتم تعطيل الاستجوابات للحكومة في البرلمان الحالي، بل إن المثير أن التقرير السنوى الأخير لجهاز الإحصاء التابع للحكومة حول حوادث الطرق، والذي أشار لتسبب حوادث الطرق في العام الماضي في حدوث 5260 حالة وفاة وأكثر من 67 ألف مصاب، قد تضمن قائمة تفصيلية بالنقاط الأكثر خطورة على الطرق في أنحاء البلاد وعددها 70 طريقا، منها الطريق الدائري الإقليمي الذي ذكر التقرير به وحده 15 نقطة أكثر خطورة، وهو ما يعني أن مَواطن الخلل في الطرق قد تم حصرها ولا يتبقى سوى بدء التنفيذ لعلاجها، وهو ما لم نسمع عنه بعد، اعتمادا على ذاكرة السمكة سريعة النسيان لدى الجمهور المشغول أصلا بالغلاء والركود وتراجع مستوى المعيشة، وسيتم إشغاله خلال الأيام المقبلة بضرائب إضافية للقيمة المضافة، يليها رفع لأسعار الكهرباء والمحروقات، ورفع سعر الخبز التمويني، لتحقيق مطالب صندوق النقد الدولي، حيث سيتم بعدها صرف الدفعة الجديدة لقرض الصندوق للبلاد.

x.com/mamdouh_alwaly