مدونات

في رثاء ديوغو جوتا: ماذا عن شهداء أندية فلسطين؟ أم إن الضحايا مقامات أيتها الفيفا؟

"هل نعت منصات الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) الشهداء الأربعة الذين قضوا نحبهم تحت نيران الهمجية الصهيونية كما فعلت مع نجم منتخب البرتغال؟"- إكس
عمت حالة من الحزن والأسى الوسط الكروي بعد إعلان خبر وفاة اللاعب البرتغالي "ديوغو جوتا" إثر حادث سير مأساوي في إسبانيا، برفقة شقيقه الأصغر "أندريه سيلفا" الممارس هو الآخر في صفوف فريق بينافييل المتواجد في دوري الدرجة الثانية البرتغالي.

وكالعادة دأبت وسائل الإعلام على النبش بسيرة نجم ليفربول الإنجليزي الذي كان في طريقه للسفر عبر مدينة "سانتاندر" الساحلية شمال إسبانيا، مفضلا التنقل عبر السفينة لأنه خضع قبل فترة ليست بالطويلة لعملية جراحية بسبب مشاكل في الرئة ونصحه الأطباء بتجنب السفر جوا، مع العلم أن جوتا احتفل بحفل زفافه قبل أسبوع فقط من "روتي كاردوسو"، ما ضاعف من هول الصدمة على قلوب محبيه وعشاق الساحرة المستديرة عموما.

لكن ووسط تباري الجميع في استعراض حزنهم على الدولي البرتغالي ونحن أيضا من متابعيه؛ تحديدا منذ كان لاعبا مع ذئاب "الولفز" قبل أن يحط الرحال في ليفربول، تبدو المفارقة المريرة أنه وفي نفس اليوم الذي غادرنا فيه "ديوغو جوتا" كان هناك لاعبون يتنفسون عشق كرة القدم كذلك وبذلوا الغالي والنفيس من أجل البصم على مسيرة كروية مهمة وحافلة، وذنبهم الوحيد أنهم ينتمون لبقعة منسية اسمها "غزة" وأمامهم كابوس يجثم على أنفاسهم ويقف بالمرصاد ضدهم ولا يكتفي بتعقيد سبل النجاح والتطور أمامهم فحسب؛ بل هو محترف في الفتك بهم وإنهاء حياتهم بوحشية وسادية مقززة.

المفارقة المريرة أنه وفي نفس اليوم الذي غادرنا فيه "ديوغو جوتا" كان هناك لاعبون يتنفسون عشق كرة القدم كذلك وبذلوا الغالي والنفيس من أجل البصم على مسيرة كروية مهمة وحافلة، وذنبهم الوحيد أنهم ينتمون لبقعة منسية اسمها "غزة" وأمامهم كابوس يجثم على أنفاسهم ويقف بالمرصاد ضدهم ولا يكتفي بتعقيد سبل النجاح والتطور أمامهم فحسب؛ بل هو محترف في الفتك بهم وإنهاء حياتهم بوحشية

فهل نعت منصات الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) الشهداء الأربعة الذين قضوا نحبهم تحت نيران الهمجية الصهيونية كما فعلت مع نجم منتخب البرتغال، أم أن هؤلاء لا بواكي عليهم؟

في نفس الفترة الزمنية أعلن الاتحاد الفلسطيني للعبة عن استشهاد اللاعب "مصطفى أبو عميرة" الذي حمل قميص عدة أندية في قطاع غزة على غرار "الصداقة" و"خدمات الشاطئ" و"الزيتون"؛ وأيضا توفي اللاعب "مهند فضل اللي" لاعب نادي "خدمات المغازي" والذي حمل قميص منتخب فلسطين في عدة مناسبات متأثرا بإصابته في قصف جوي على منزله في مخيم المغازي للاجئين وسط القطاع الصامد.

وكذلك استشهد اللاعب "مصطفى ميط"، لاعب فريق "المصدر" أثناء استهداف جيش الاحتلال للمواطنين القادمين لاستلام المساعدات الغذائية؛ وعلى خطاه سار حارس مرمى فريق "اتحاد شباب دير البلح" محمد عايش أبو لبدة في قصف طال منزله ليرتقي شهيدا برفقة زوجته وأبنائه.

ارقام صادمة:

في 29 حزيران/ يونيو الماضي، وثق الاتحاد الفلسطيني استشهاد 785 لاعبا وإداريا من مختلف الرياضات في قطاع غزة والضفة الغربية منذ بدء العدوان الغاشم على غزة الصابرة المحتسبة؛ دون إغفال تدمير أكثر من 286 منشأة رياضية آخرها مقر اللجنة الأولمبية الفلسطينية وملعب فيصل الحسيني.

طبعا تبقى هذه الأرقام مؤقتة وغير دقيقة في ظل استمرار الحرب الوحشية وتساقط الضحايا كل يوم؛ والمستفز أن المشرفين على عالم كرة القدم والرياضة إجمالا مصرون على تصدير خطابات وردية عن نشر الحب والسلام والتآخي، ويحتفلون ليل نهار بهذه "المبادئ المتهالكة" دون أن يرف لهم جفن والآلاف من ممارسي هذه اللعبة يسقطون بنيران وقذائف الغدر والحقد الصهيونية. حين بدأت الحرب الروسية على أوكرانيا فجأة تجردوا من شعار "إدماج الرياضة بالسياسة"، وفتحت كل المنافذ والقنوات للبكاء والنحيب على الضحايا ذوي الملامح الشقراء، وألغيت كل العقوبات التي ظلت سيفا مشهرا في وجه كل يصرخ ويصدح بجرائم الاحتلال الإسرائيلي على سبيل المثال؛ قربانا لأبناء أوكرانيا "الحضاريين".

تقاعس رسمي وهبة شعبية:
قطعا آلمنا رحيل جوتا في ريعان شبابه وهو المتوج حديثا بلقب الدوري الإنجليزي مع ليفربول ودوري الأمم الأوروبية مع منتخب بلده البرتغال؛ لكن ما نطلبه فقط هو القليل من الإنصاف والعدل، فحتى هؤلاء اللاعبين الفلسطينيين لديهم قصصهم وأحلامهم الجديرة بأن تروى وتوثق

إنها الخلاصة المشينة التي تستبد بعالم كرة القدم اليوم. وحين نتحدث عن هذه اللعبة فإننا نتوجه بأصابع الاتهام للهيئات المشرفة عليها ولا نقصد البتة العناصر الأخرى؛ فمن الإجحاف تجاهل الهبة الشعبية الضخمة التي شهدتها الملاعب الأوروبية ضد آلة القتل الصهيونية وكيف انخرطت روابط المشجعين لأكبر الأندية في الذود عن القطاع المحاصر المجوّع، ولعل آخر نموذج مشرف يختصر أصل الحكاية يكمن في المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا بين باريس سان جيرمان وإانتر ميلان، والحضور الطاغي لاسم غزة وفي قلب ميونيخ الصهيونية الهوى، وصولا للمدرجات وتحدي الجماهير الباريسية لكل أشكال الحظر والعقوبات المسلطة عليها وبالتالي رفع شعار إنقاذ غزة رغما عن أنف المتربصين بها.

بل إن الانتفاضة الشعبية في القارة العجوز لم تعد تقتصر على نقط معينة مثل أيرلندا وتركيا وبعض المدن الإسبانية؛ فقد جابت أكبر الملاعب بالطول والعرض وصارت حاضرة في قلب أكبر المنافسات؛ والملفت أنها تجاوزت ما بدأت به الجماهير العربية مع انطلاق طوفان الأقصى وسرعان ما تراجعت تدريجيا بفعل الضغوط والمضايقات المتكررة على روابط الألتراس العربية.

الضحايا مقامات:

قطعا آلمنا رحيل جوتا في ريعان شبابه وهو المتوج حديثا بلقب الدوري الإنجليزي مع ليفربول ودوري الأمم الأوروبية مع منتخب بلده البرتغال؛ لكن ما نطلبه فقط هو القليل من الإنصاف والعدل، فحتى هؤلاء اللاعبين الفلسطينيين لديهم قصصهم وأحلامهم الجديرة بأن تروى وتوثق، وكان بإمكانهم البروز والتألق خارج وطنهم وقارتهم إذا وجدوا متنفسا حقيقيا ومناخا طبيعيا لأي ممارس لكرة القدم أسوة بأقرانهم في كل بقاع العالم.

واللوم والعتاب الأكبر هنا موجه للإعلام العربي أيضا، المتقاعس عن توثيق هذه التجارب ونقلها كي تصل أصوات هؤلاء الشباب الحالمين بغد أفضل ورفع اسم وراية بلدهم خفاقة في أكبر التظاهرات والمحافل؛ لكنهم محكومون بالعيش تحت رحمة قوة غاشمة إجرامية تفتك بالصغير قبل الكبير دون رحمة ولا إنسانية، ومجتمع دولي منافق يقتات على ازدواجية المعايير.

حقا إن الضحايا مقامات..