سياسة عربية

بعد عودة اتهامات القاهرة الإعلامية لأنقرة.. العلاقات المصرية التركية إلى أين؟

أعادت السلطات المصرية إحياء الجدل حول العلاقات المصرية- التركية- جيتي
أعادت السلطات المصرية إحياء الجدل حول العلاقات المصرية- التركية، بعد الإعلان عن مقتل عنصرين مصريين، الأحد الماضي، قالت إنّهما منتميان لحركة "حسم" التي تصنفها بـ"الإرهابية"؛ في المقابل، يواصل الإعلام المصري اتّهام أنقرة بـ"الصمت عن وجود خلايا إرهابية تخطّط ضد مصر".

بيان وزارة الداخلية، الصادر عن الواقعة التي جرت في 7 تموز/ يوليو الماضي، بمنطقة "بولاق الدكرور" غرب القاهرة، ذكر اسم تركيا لأول مرة بشكل صريح، ما تبعه توجيه الإعلام المصري، وعلى مدار الأيام الماضية الاتّهامات التي تمّ٫ توجيهها إلى أنقرة.

وبحسب البيان الرسمي: "وردت معلومات تتضمن اضطلاع قيادات حركة حسم، الجناح المسلح لجماعة الإخوان الهاربة بدولة تركيا، بالإعداد والتخطيط لمعاودة إحياء نشاطها، وارتكاب عمليات عدائية تستهدف المنشآت الأمنية والاقتصادية".

وعبر فضائية "صدى البلد" المحلية، قال الإعلامي المقرّب من جهات أمنية مصرية، أحمد موسى، إنّ: "قادة التنظيم موجودين حاليا في تركيا، وأنّ عناصر حسم قد تمّ تدريبهم في تركيا منذ عام 2016".

وأضاف أنّه: "ذكر بيان الداخلية المصرية اسم تركيا للمرة الأولى، يؤكّد أن هناك بؤرة لمن يخطّطون لتنفيذ عمليات بمصر"، مؤكدا أنّ: "ذكر اسم تركيا يمثّل رسالة سياسية وأمنية ودبلوماسية".

وأشار إلى أنّه: "من غير المقبول أن تتحدث تركيا عن تعاون مع مصر، وفي الوقت نفسه تستضيف تنظيمات إرهابية تخطّط لتنفيذ عمليات في مصر، مطالبا بتسليم 5 مصريين مقيمون في تركيا، بدعوى التخطيط لعمليات إرهابية في القاهرة".

في المقابل، لم تُصدر تركيا أي رد فعل على ذكر اسمها في البيان المصري الرسمي، ولا على الاتّهمات الإعلامية من القاهرة، بل قد أوقفت ترحيل المصري محمد عبد الحفيظ، وهو أحد المطلوبين المصريين إلى القاهرة، عقب توقيفه في مطار اسطنبول، الاثنين، قادما من دولة إفريقية.

لكن ظهور اسم تركيا في بيان مصري رسمي، في ملف يتعلق بـ"عمليات إرهابية"، يحمل الكثير من الدلالات، وفق متابعين، ويدفع للتساؤل حول وضع العلاقات المحتمل في ظل تلك الأزمة، وفي خضمّ أزمات أخرى متعلقة بالملف الليبي.

"12 عاما من التجاذبات"
شهدت علاقات مصر وتركيا تقلبات حادّة منذ 3 تموز/ يوليو 2013، حين رفضت تركيا عزل الرئيس الراحل محمد مرسي، وإدانة مجزرة فض اعتصامي "رابعة العدوية والنهضة" الدامي 14 آب/ أغسطس 2013، ليتم سحب السفراء في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، في وضع ظل متفاقما حتى عام 2020، خاصة مع استقبال اسطنبول عدد كبير من المعارضين.

في الأثناء ظهرت خلافات مصرية تركية حول الأزمة الليبية، حيث دعمت تركيا حكومة "الوفاق الوطني" في طرابلس، بينما دعمت مصر، الليبي خليفة حفتر، كما اختلفت الدولتان في ملف "غاز شرق المتوسط"، و"ترسيم الحدود البحرية".

وفي أيار/ مايو 2021، وعقب مفاوضات ووساطات قطرية، استضافت القاهرة جولة محادثات علنية تبعتها جولة بأنقرة، أدّت لإبعاد تركيا بعض قيادات جماعة الإخوان المسلمين، ووقف فضائيات معارضة لمصر.

تلك الإجراءات أعقبها مصافحة تاريخية بين رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، والتركي رجب طيب أردوغان، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، بافتتاح مونديال قطر، وعودة العلاقات الدبلوماسية في أيار/ مايو 2023، ثم قمة مصرية تركية في أيلول/ سبتمبر 2023، بالهند.

ليشهد شباط/ فبراير 2024، تتويج العلاقات بزيارة أردوغان التاريخية إلى القاهرة، والتوقيع على اتفاقيات اقتصادية، ثم زيارة السيسي أنقرة للمرة الأولى أيلول/ سبتمبر من نفس العام.

هل يضحيان بسجل حافل من التقارب العسكري والاقتصادي؟
سؤال يطرحه حجم التعاون العسكري والاقتصادي المصري التركي، الذي وصل إلى قمّته، هذا العام؛ والذي ترصد بعضه "عربي21". ففي الملف العسكري، وبينما أشار السيسي إلى رغبة بلاده تعزيز التعاون الدفاعي، وافقت أنقرة في شباط/ فبراير 2024 على تزويد القاهرة بطائراتها بدون طيار الشهيرة باسم "بيرقدار".

وفي 30 نيسان/ أبريل 2024، جرت أول زيارة لمسؤول عسكري مصري لتركيا منذ العام 2013، حيث التقى رئيس أركان حرب القوات المصرية السابق، أسامة عسكر، رئيس هيئة الأركان التركية متين غوراك، وزار مصنع "بايكار" للصناعات الدفاعية.

وفي 27 آذار/ مارس الماضي، وقّعت شركة "HAVELSAN" التركية اتفاقية إنتاج مشتركة للمركبات العسكرية البرية مع مصنع "قادر" للصناعات المتطورة المصري.

وفي 11 أيار/ مايو الماضي، زار رئيس أركان حرب القوات المصرية، أحمد خليفة، أنقرة، والتقى وزير الدفاع ورئيس الأركان التركيين، ورئيس هيئة الصناعات التركية، وزار شركات الصناعات الدفاعية، وسط حديث عن تعاون دفاعي وتصنيعي واسع.

وفي 17 أيار/ مايو الماضي، أعلنت وزارة الدفاع التركية عن تنفيذ تدريب عسكري بين القوات الخاصة التركية ونظيرتها المصرية، في أنقرة.

وفي 14 تموز/ يوليو الجاري، انضمت مصر إلى تركيا في مشروع تطوير مقاتلة الجيل الخامس "قآن KAAN" كشريك منتج ومُصنِّع، بحسب ما أورده موقع "تاكتيكال ريبورت".

في ذات السياق، شهد التعاون الاقتصادي بين مصر وتركيا نموا ملحوظا حتى خلال فترات التوتر، حيث بلغ حجم التبادل التجاري 7 مليارات دولار عام 2020، ليصل في 2023، نحو 8 مليارات دولار. فيما أعلن السيسي وأردوغان، من القاهرة، في شباط/ فبراير 2024، عن رغبة برفع حجم التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار.

وبينما سجلت الاستثمارات التركية بالبلد العربي الإفريقي حوالي 3 مليارات دولار، هناك 1000 شركة تركية تعمل في مصر، وتوفّر حوالي 65 ألف فرصة عمل، في قطاعات جميعها إنتاجية: (المنسوجات والملابس الجاهزة، والكيماويات، والزجاج، والبنية التحتية).

"علاقات بأوج قوتها"
في حديثه لـ"عربي21"، يرى الأكاديمي المصري، محمد الزواوي، أنّ: "التصريحات الإعلامية المصرية الأخيرة الموجهة إلى تركيا ربما موجهة للداخل المصري، وفي تقديري فإن علاقات البلدين تشهد تعاونا كبيرا بالملفين الأمني والعسكري ومستوى التنسيق المخابراتي".

ومن ثم يعتقد خبير العلاقات الدولية والدراسات الشرق أوسطية، والمحاضر بجامعة "سكاريا"، التركية، أنها "تصريحات قد لا تعبر بالضرورة عن وجهة النظر الرسمية المصرية، ولكنها أرادت إعادة استعمال ورقة الإرهاب وورقة جماعة الإخوان المسلمين مجددا، في ظل تصاعد أزمات الاقتصاد وتوتر العلاقات مع الخليج وإسرائيل".

أمّا بخصوص تسليم تركيا لمطلوبين مصريين لديها، يرى الزواوي: "بوجود اتفاق شبه ضمني بأنه لن يتم اتخاذ إجراءات قسرية أو تسليم مطلوبين بين البلدين، وأنّ تركيا لديها تحفظ في هذا الملف، والوضع ينحصر في ملفات التنسيق الأمني والتعاون العسكري ونقل تقنيات الدورون التركية لمصر".

وفيما يتعلق بترسيم الحدود البحرية، قال الأكاديمي المصري: "نعلم أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية التركية الليبية قد يمنح مصر مزيدا من الكيلومترات في البحر المتوسط، ولذا لا أعتقد أن يكون هذا الملف نقطة اختلاف جوهري الآن بين الجانبين".

وأضاف: "تصرح مصر علنا بأن لديها ترسيم حدود مع قبرص واليونان، لكن علاقات القاهرة وأثينا حاليا، ليست في أفضل أحوالها، وفي الوقت ذاته تحاول مصر أن تحافظ على حقول الغاز في المربعات التي حصلت عليها، وربما لا تريد تغيير الوضع فاستقراره يسمح للشركات العالمية أخذ تراخيص التنقيب عن الغاز".

وأجمل الزواوي، القول إنّ: "الاتفاقية التركية الليبية، لن تؤثر على مصر، بل ربما تفيدها، والعلاقات السياسية والاقتصادية ولاسيما العسكرية في تطور، وأنه ربما هناك ملفات لم يتم التطرق لها بينها تسليم المطلوبين، خاصة وأن أنقرة من جانبها أغلقت فضائيات معارضة وأخرجت بعض الإعلاميين".

"رسالة مزدوجة"
قال السياسي المصري، محمد عماد الدين صابر، لـ"عربي21": "لا يمكن قراءة التصعيد الأخير من زاوية واحدة، بل يتقاطع فيه الداخل بالخارج، والملف الأمني بالاستراتيجية الإقليمية، والسياسة بالإعلام".

عضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشعب المصري سابقا، أوضح أنّ "النظام المصري، يعيش أزمة شرعية مزمنة، يعالجها بتوظيف متواصل لخطاب (الحرب على الإرهاب)، والزج الدائم بجماعة الإخوان باعتبارها (الخطر الأعظم)"، مبرزا: "في هذا السياق، تصبح تركيا هدفا دائما لحملات الاتهام".

ويعتقد أنّ: "الزج بتركيا مجددا الآن ليس مصادفة، بل يحمل رسالة مزدوجة: أولا، إلى الداخل المصري، مفادها أن النظام لا يزال يقف على جبهة المواجهة ضد من يسميهم (أعداء الوطن)، ليُبرر استمرار القبضة الأمنية، ويمتص غضب الشارع المتفاقم بفعل الأزمات الاقتصادية والسياسية".

"ثانيا، إلى تركيا ذاتها، بأن أي تهاون في ضبط تحركات الإخوان أو تغاضي عن وجودهم الرمزي سيُقابل بردّ فعل مصري، ولو على مستوى التصريحات والاتهامات، رغم أن الواقع يقول إن أنقرة جمّدت النشاط العلني للمعارضة منذ سنوات، وأغلقت معظم منابرها الإعلامية" استرسل السياسي المصري.

"خلل في الثقة"
يرى صابر، أنّ: "هناك ما هو أعمق من هذا التصعيد المصري، يرتبط كذلك بتحركات تركيا الإقليمية، خاصة بعد تصريحات أنقرة بدعمها الكامل للشعب السوري، في وقت تتوتر فيه الأوضاع في السويداء ودمشق، وتلوح مجددا في الأفق ملامح مشروع تقسيم ناعم لسوريا".

ويعتقد أنّ: "هذا التموضع التركي يعيد تركيا إلى قلب معادلة المشرق العربي، من بوابة (نصرة الشعوب)، ما يتعارض جوهريا مع توجه النظام المصري الذي يلتزم بمحور الثورات المضادة، ويخشى من أي عودة لتيار إسلامي شعبي فاعل في المنطقة، خاصة إذا ترافق مع خطاب مقاومة وتحرر".

وخلص للقول: "الاتهامات الأخيرة ليست سوى تعبير عن أزمة مركبة: هشاشة العلاقات بين الطرفين رغم محاولات الترميم، ورفض مصري دائم لأي تقارب لا يشمل تسليم المعارضة أو إسكاتها بالكامل، وضيق تركي من تكرار الزج باسمها في ملفات داخلية مصرية، فضلا عن توظيف هذا التوتر في سياق تحشيد داخلي وتصدير الأزمة إلى الخارج".