صحافة دولية

كيف انتهت الوصاية الهاشمية على الأقصى وهل اقترب بناء الهيكل المزعوم؟

تشير التقارير إلى أن الاحتلال يخطط رسميًا لتجريد الأوقاف من دورها الإداري في الأقصى- الأناضول
نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، تقريرا سلط الضوء فيه على إجراءات الاحتلال التهويدية في مدينة القدس، وسحب الوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى، وسط تساؤلات عن مدى اقتراب المخططات الاستيطانية من التنفيذ، لا سيما فيما يتعلق ببناء الهيكل المزعوم.

ونقل الموقع عن مسؤول كبير في الأوقاف الأردنية، أنّ "إسرائيل لا تسمح للأوقاف بتوظيف موظفين أو إجراء أي صيانة داخل المسجد دون موافقة مسبقة"، مشيرا إلى أن "أنبوبًا انفجر في مكتبه في إحدى المرات، ولم يُسمح له بإحضار فني لإصلاحه لمدة شهرين، ونتيجة لذلك، تلقى فاتورة مياه بقيمة 50 ألف شيكل (حوالي 14700 دولار) لمشكلة كان من الممكن حلها بقطعة سعرها 3 دولارات".

وتابع المسؤول: "إدخال الصابون أو صمامات المرحاض يتطلب موافقة مسبقة أيضا"، منوها إلى أن "لا أستطيع إصلاح النوافذ أو معالجة أي مشاكل في المكاتب. لا أستطيع حتى تنظيف المجاري قبل الشتاء. كل شيء يحتاج إلى تصريح، وكل ما يقولونه: قدم طلبًا. لا يُسمح لأي شخص بالقيام بأي أعمال صيانة داخل مجمع المسجد الأقصى دون المخاطرة بالاعتقال".

وتاليا نص التقرير كاملا
تُتلى صلوات يهودية بصوت مرتفع بشكل جماعي، ويُسمع الغناء ويُشاهد الرقص، وهناك رجال يسجدون ووجوههم ملتصقة بالأرض، وأعلام إسرائيلية مرفوعة عاليًا. كان ذلك المشهد داخل المسجد الأقصى، أحد أقدس المواقع الإسلامية، خلال اقتحام إسرائيلي في وقت سابق من هذا الشهر.

قبل بضع سنوات، كان استعراض كهذا أمرًا لا يمكن تصوره. لكن منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تغير كل شيء، وفقًا لما يقوله الفلسطينيون.وقال عوني بزبز، مدير الشؤون الدولية في دائرة الأوقاف الإسلامية، وهي الجهة المشرفة على المسجد الأقصى، لموقع “ميدل إيست آي” في ذلك الوقت: “كان هناك أعداد مرعبة من [المستوطنين الإسرائيليين] الحاضرين، وبعضهم شخصيات مهمة”.

وأضاف: “ما حدث… يمثل مرحلة حاسمة تهدف إلى فرض السيادة اليهودية بالقوة على المسجد الأقصى وتقسيمه مكانيًا بين المسلمين والمستوطنين”.

يقع المسجد الأقصى في البلدة القديمة بالقدس، وقد كان على مدى عقود طويلة في قلب الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. بالنسبة للفلسطينيين والمسلمين في جميع أنحاء العالم، يرمز المسجد إلى النضال من أجل الحرية والهوية والاستقلال

بالنسبة للعديد من الإسرائيليين، يُعد الموقع المكان الذي سيُبنى فيه الهيكل اليهودي الثالث قريبًا. لعقود من الزمن، كان المسجد يخضع لترتيبات دولية تضمن مكانته الدينية كمقدس إسلامي حصري.

غير أنه منذ احتلال القدس الشرقية في عام 1967، عمل الإسرائيليون على تقويض هذا الوضع تدريجيًا من خلال فرض قيود متزايدة على دخول الفلسطينيين والمسلمين، مع توسيع الوجود والسيطرة اليهودية. منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، تصاعدت هذه الجهود بشكل كبير.

اليوم، وبينما يظلّ اهتمام العالم منصبًا على إبادة إسرائيل في غزة والتوترات الأوسع في المنطقة، يقف المسجد الأقصى عند منعطف حاسم.ويخشى العديد من الفلسطينيين من أن يكون المسجد الأقصى على وشك فقدان هويته كمسجد، وتحويله إلى ما طالما كانوا يخشونه: الهيكل اليهودي الثالث.

في أواخر القرن التاسع عشر، وضعت الإمبراطورية العثمانية، التي كانت تحكم فلسطين في ذلك الوقت، ترتيبًا ينظم إدارة المواقع الدينية في القدس.وأصبح هذا الاتفاق يُعرف باسم “الوضع القائم“، وهو مجموعة من القواعد والأنظمة التي تُعد اليوم قاعدة دولية ملزمة، طالما قبلت بها القوى العالمية.



ونصّ الاتفاق على أن يخضع مجمّع المسجد الأقصى كاملاً، بمساحته البالغة 144,000 متر مربع، بما في ذلك قبة الصخرة، والمسجد القبلي ذو القبة الفضية، وسائر المباني والأبواب، للإدارة الإسلامية. وعلى مدى عقود، عُرفت هذه الإدارة باسم الوقف الإسلامي أو الوقف الديني، والذي يخضع للوصاية الأردنية على الموقع.

القواعد بسيطة: يُسمح للمسلمين فقط بأداء الصلاة داخل المسجد، بينما يمكن لغير المسلمين الزيارة، لكن الوقف هو من يحدد متى وكيف يتم ذلك.وتبقى السيطرة على المسجد، بما في ذلك صيانته وأمنه وأعمال الحفر فيه، من المسؤولية الحصرية للوقف.

وقد جرى الاعتراف رسميًا بهذه السلطة، وبالتالي بسلطة عمّان، من قِبل إسرائيل في معاهدة السلام الموقعة مع الأردن عام 1994. وخلال فترة الاحتلال الإسرائيلي للقدس، وحتى عام 2000، كانت انتهاكات الوضع القائم قليلة ومتباعدة، إذ كانت السلطات الإسرائيلية تخشى ردود الفعل الغاضبة من المسلمين حول العالم في حال وقوع أي اعتداء على المسجد.

ومع ذلك، أدى اقتحام نفذه زعيم المعارضة آنذاك أرييل شارون على المسجد في عام 2000، برفقة مئات من الحراس المسلحين، إلى تغيير الوضع بشكل جذري.وقد أشعل ذلك الاقتحام شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ومنذ تلك اللحظة بدأت السلطات الإسرائيلية بانتهاك الوضع القائم على نطاق أوسع بكثير.

أولاً، بدأت القوات الإسرائيلية بالانتشار بشكل منتظم داخل ساحات المسجد وعند بواباته، وفرضت قيودًا على من يُسمح لهم بالدخول، مثل حظر دخول الرجال دون سن الأربعين، ومنع الفلسطينيين القادمين من غزة والضفة الغربية.

وفي الوقت نفسه، جرّدت السلطات الإسرائيلية الأوقاف من صلاحيتها في تنظيم الزيارات، مما فتح الباب أمام ما يصفه الفلسطينيون بالاقتحامات التي ينفذها إسرائيليون متطرفون قوميون، وغالبًا ما تتم تحت حماية حراس مدججين بالسلاح.

وتُنظم هذه الاقتحامات من قبل مجموعات تُعرف باسم “نشطاء جبل الهيكل”، وهي تضم منظمات إسرائيلية تدعو إلى هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل الثالث مكانه.بالإضافة إلى ذلك، ومنذ عام 2000، قامت إسرائيل علنًا بأعمال حفر تحت المسجد الأقصى، وهو انتهاك كبير آخر للوضع القائم.

على مدى العقدين التاليين، رسخت إسرائيل هذه الانتهاكات الجديدة، وحولتها إلى واقع جديد. في البداية، كانت اقتحامات المستوطنين الإسرائيليين محدودة من حيث العدد والمدة. غير أنه مع مرور السنوات، أخذت في التوسع تدريجيًا من حيث الحجم وتكرارها.

وفي سنة 2009، شارك أكثر من خمسة آلاف مستوطن في هذه الاقتحامات، وبحلول عام 2019 ارتفع هذا العدد إلى ثلاثين ألفًا. بحلول عام 2017، أصبحت الاقتحامات حدثًا يوميًا، باستثناء أيام الجمعة والسبت، وفق جدول صارم يشبه مواعيد الصلوات الخمس عند المسلمين؛ حيث يجري اقتحام في الصباح بعد صلاة الفجر، وآخر في فترة الظهيرة بعد صلاة الظهر.

وهذا التحكم التدريجي ولكن الحازم في أوقات الزيارة وسبل الوصول هو ما حذّر الفلسطينيون منذ زمن طويل من أنه الهدف النهائي. ويؤكدون أن السلطات الإسرائيلية تعمل على خلق واقع جديد، يحوّل المسجد – الذي يُعد موقعًا إسلاميًا خالصًا – إلى مساحة مشتركة للصلاة لكلٍّ من المسلمين واليهود.

ونتيجةً لذلك، أثارت هذه الانتهاكات المتكررة مقاومة فلسطينية شعبية ومسلحة منتظمة، داخل القدس وخارجها. وفي مايو/ أيار 2021، شكّلت الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد خلال شهر رمضان المبارك، والتي عطّلت الطقوس الإسلامية الخاصة، حافزًا رئيسيًا في اندلاع الانتفاضة التي استمرت 11 يومًا وامتدت في أرجاء فلسطين التاريخية، وتضمّنت مواجهة عسكرية مع حركة حماس في غزة.



وبعد عامين، استشهدت الحركة الفلسطينية بهذه الانتهاكات كأحد الأسباب الرئيسية وراء هجومها في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، والذي أطلقت عليه اسم “طوفان الأقصى”. وخلال الهجوم، قتل المقاتلون الفلسطينيون نحو 1200 إسرائيلي وأسروا 251 آخرين.

وقد أدى ذلك إلى استمرار الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة؛ حيث قتلت القوات الإسرائيلية أكثر من 62,000 فلسطيني، وتركت القطاع المحاصر في حالة دمار شامل وعلى شفا المجاعة.

وأسفر هذا التصعيد عن تأثير متسلسل، تمثل في شن هجمات إسرائيلية مدمرة على الضفة الغربية ولبنان وسوريا وإيران. وتحت ستار تصاعد التوترات الإقليمية، تواصلت الانتهاكات في المسجد الأقصى دون انقطاع، بل ازدادت سوءًا، وسط تراجع ملحوظ في الاهتمام أو الردود الدولية.

وفي 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وهو أول يوم جمعة بعد الهجوم الذي قادته حماس، فرضت إسرائيل حظرًا على دخول أي شخص دون سن الستين إلى المسجد الأقصى. وانتشرت مئات العناصر من القوات الإسرائيلية في أرجاء البلدة القديمة وعند مداخل المسجد.

وفي الخارج؛ قامت القوات الإسرائيلية بقمع كل من حاول الاقتراب من المسجد بشكل عنيف، مما أجبر آلاف المصلين على أداء الصلاة في الشوارع المحيطة.وهددت حركة “بيادينو جبل الهيكل”، وهي إحدى أبرز جماعات الهيكل، بمنع المسلمين من الوصول إلى الموقع.

وفي الوقت نفسه، وضعت جماعات يمينية متطرفة اسم إمام المسجد على قائمة اغتيال عبر تطبيق “تليغرام”. وقد شكّل ذلك اليوم ملامح ما كان قادمًا لاحقًا. منذ ذلك الحين، كثفت السلطات الإسرائيلية وجماعات “جبل الهيكل” جهودها لإحكام السيطرة على المسجد الأقصى. وكان أحد العناصر الرئيسية لهذه الإستراتيجية هو تقييد وصول الفلسطينيين إليه.

وتشمل هذه القيود فرض حظر مستمر على الفلسطينيين القادمين من الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي كثير من الحالات، يُمنع الرجال دون سن الخمسين من الدخول، إضافة إلى ذلك، تصدر القوات الإسرائيلية عشرات أوامر المنع الفردية سنويًا التي تستهدف الفلسطينيين من القدس أو من داخل إسرائيل نفسها. وتشمل هذه القرارات فئات واسعة من الناس، بينهم أئمة وصحفيون ونشطاء ومصلون عاديون.

وكان المسجد، الذي كان يستوعب في السابق مئات الآلاف من المصلين ويستقبل بانتظام عشرات الآلاف لأداء صلاة الجمعة، لا يشهد اليوم سوى بضعة آلاف فقط أيام الجمعة، ومئات قليلة في الصلوات اليومية.

في غضون ذلك، ازدادت حجم الاقتحامات الإسرائيلية؛ حيث استقطبت أكثر من 57,000 شخص في عام 2024، أي ما يقرب من ضعف العدد المسجل قبل خمس سنوات. والهدف، وفقًا لمنظمة “بيادينو”، هو الوصول إلى 100,000 مشارك سنويًا.

وازدادت أيضًا مدة كل اقتحام في الأشهر الأخيرة، مما سمح لعدد كبير من المستوطنين بالمشاركة. ومع ذلك، كان أحد أكثر التطورات إثارة للقلق في الأشهر الأخيرة هو أداء الصلوات اليهودية علنًا خلال هذه الاقتحامات.

فبينما كانت هذه الصلوات – التي تعد انتهاكًا آخر للوضع الراهن – تُؤدى في سابقًا بصمت وبشكل فردي من قبل بعض المتطرفين القوميين، فإن أي مظاهر صاخبة كانت تقابل عادةً برد فعل صارم من الشرطة، خوفًا من رد فعل عنيف من الفلسطينيين والمسلمين.

لكن في أبريل/ نيسان 2024، كُشف أن إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي الذي يشرف على الشرطة الإسرائيلية في القدس، قد نفذ سياسة لتغيير الوضع الراهن من خلال السماح لليهود بالصلاة داخل المسجد دون مقاطعة.

وفي يونيو/ حزيران، قال نشطاء جبل الهيكل إن بن غفير أخبرهم أن “سياسته من الآن فصاعدًا هي السماح بالغناء والرقص في جميع أنحاء جبل الهيكل”.

وأفاد مقال في موقع “واي نت” أن الشرطة تغير الوضع الراهن من خلال فرض سياسة “المزيد من المصلين اليهود، والقليل من إنفاذ القانون” هناك.

وقد قاد بن غفير بنفسه مئات المستوطنين في اقتحام حرم المسجد الأقصى في وقت سابق من هذا الشهر؛ حيث أدوا الصلاة اليهودية بصوت عالٍ.وتشهد الاقتحامات الآن مشاهد لإسرائيليين يؤدون صلوات يهودية بانتظام، بما في ذلك السجود وقراءة التوراة والغناء بصوت عالٍ ورفع العلم الإسرائيلي.

وقال يهودا غليك، أحد نشطاء جبل الهيكل البارزين والنائب السابق في حزب الليكود، لموقع ميدل إيست آي: “أتذكر الأوقات التي كان أي شخص يحرك شفتيه فيها يتعرض للاعتقال”، وأضاف: “أتذكر الأيام التي كنا فيها قلة قليلة، واليوم أصبحنا كثيرين”.

في الآونة الأخيرة، ظهر اتجاه جديد مقلق، وفقًا لمصدر رفيع المستوى داخل الأوقاف، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته. يتضمن هذا الاتجاه صلوات جماعية وخطب يقودها الحاخام شمشون إلبوم، رئيس ما يسمى بإدارة جبل الهيكل.

ثم في يونيو/ حزيران، اتخذت إسرائيل خطوة غير مسبوقة: أغلقت المسجد الأقصى بالكامل لعدة أيام، وكان السبب المذكور هو حرب إسرائيل على إيران.ومع ذلك، لم تتخذ إسرائيل مثل هذا الإجراء من قبل حتى خلال فترات أكثر اضطرابًا في الماضي، مما يوحي بوجود دوافع أخرى وراء هذه الخطوة.

ووفقًا للفلسطينيين، كان الهدف الحقيقي هو تأكيد “السيادة” الإسرائيلية على المسجد، وإثبات قدرتها على فتحه وإغلاقه كما تشاء.وقد انعكس هذا الجهد أيضًا في إجراءات أصغر حجمًا ولكنها متسقة تهدف إلى تقويض دور الأوقاف وسلطتها.

وقال مسؤول كبير في الأوقاف تحدث إلى موقع “ميدل إيست آي” إن إسرائيل لا تسمح للأوقاف بتوظيف موظفين أو إجراء أي صيانة داخل المسجد دون موافقة مسبقة.



وقال إن أنبوبًا انفجر في مكتبه في إحدى المرات، ولم يُسمح له بإحضار فني لإصلاحه لمدة شهرين، ونتيجة لذلك، تلقى فاتورة مياه بقيمة 50 ألف شيكل (حوالي 14700 دولار) لمشكلة كان من الممكن حلها بقطعة سعرها 3 دولارات.

وأضاف المسؤول أن إدخال الصابون أو صمامات المرحاض يتطلب موافقة مسبقة أيضًا. وقال: “لا أستطيع إصلاح النوافذ أو معالجة أي مشاكل في المكاتب. لا أستطيع حتى تنظيف المجاري قبل الشتاء. كل شيء يحتاج إلى تصريح، وكل ما يقولونه: قدم طلبًا. لا يُسمح لأي شخص بالقيام بأي أعمال صيانة داخل مجمع المسجد الأقصى دون المخاطرة بالاعتقال.”

وأشار المصدر إلى أن الأبرز كان قرار إسرائيل في 2022 بمنع دخول سجاد جديد تبرع به الملك الأردني عبد الله الثاني، الحارس الرسمي للمسجد الأقصى.وأوضحت المصادر أن السجاد، الذي يغطي نحو 7,000 متر مربع وتبلغ قيمته 600,000 دولار، تم تمويله من أموال الملك الشخصية.

وقال المصدر: “بعد أن تم إنتاج السجاد وفق المواصفات المطلوبة وكان جاهزًا للشحن، أوقفت إسرائيل كل شيء ومنعت دخوله على الحدود. حاولنا الحصول على الموافقات، لكن جميع المحاولات باءت بالفشل”. وأضاف أن هذا السعي للسيطرة يأتي ضمن أجندة طويلة الأمد يروّج لها شخصيات مثل بن غفير ونشطاء جبل الهيكل، بما في ذلك أعضاء حاليون وسابقون في البرلمان الإسرائيلي.

وتابع: “من خلال تأخير الصيانة، ومنع شحنات المواد الأساسية، وفتح أو غلق أبواب المسجد متى شاءت، تهدف إسرائيل إلى تجريد الأوقاف من السلطة المحدودة التي لا تزال تحتفظ بها، ووضع الموقع بالكامل تحت سيطرتها.”

وبحسب المصدر، أصبح هذا الواقع الفعلي، حيث إن إدارة الأوقاف موجودة على الورق فقط، بينما تسيطر إسرائيل عمليًا على كل شيء داخل مجمع المسجد.وقال: “سلطتنا على الأقصى تساوي صفرًا.” وأضاف: “الحديث عن ‘السيادة المشتركة’ لم يعد طموحًا بعيدًا لهذه الجماعات الدينية في جبل الهيكل، بل أصبح مشروعًا عمليًا يُنفّذ خطوة بخطوة.”

مع سيطرة إسرائيل الآن تقريبًا على المسجد الأقصى، واعتبار “الوضع القائم” كما يصفه بعض المراقبين «ميتًا منذ زمن طويل»، يطرح السؤال: ما الخطوة التالية؟ في منتصف 2023، قبل بضعة أشهر من الهجوم الذي قادته حركة حماس، اقترح عميت هاليفي، عضو البرلمان الإسرائيلي عن حزب الليكود الحاكم، خطة لتقسيم المسجد الأقصى بين اليهود والمسلمين.

واقترح هاليفي تخصيص نحو 30 بالمئة من القسم الجنوبي للمسجد للمسلمين، بينما يُخصص الباقي، بما في ذلك المنطقة التي تقع فيها قبة الصخرة، لليهود. كما اقترح إلغاء الوصاية الأردنية على المسجد، تلبية لمطالب طويلة الأمد من مجموعات نشطاء جبل الهيكل.

بعد عام، عبّر بن غفير عن دعمه للفكرة. ورغم أنه لم يطالب صراحةً بتقسيم المسجد فعليًا، إلا أنه أعلن تأييده لبناء كنيس يهودي داخل المجمع.لطالما كانت الدعوات لهدم المسجد الأقصى واستبداله بالهيكل اليهودي الثالث جزءًا من خطاب مجموعات نشطاء جبل الهيكل.

غير أن في السنوات الأخيرة، اكتسبت العديد من هذه المجموعات نفوذًا كبيرًا، حيث أصبح أنصارها وأعضاؤها يشغلون مقاعد في البرلمان والحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك بن غفير نفسه. وفي مايو/ أيار، قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إنهم سيقومون بـ”توسيع حدود إسرائيل، وتحقيق الفداء الكامل، وإعادة بناء الهيكل هنا” خلال خطاب ألقاه في احتفال بـ”يوم القدس.”

كما أيد يتسحاق فاسرلوف، عضو حزب عوتسما يهوديت التابع لبن غفير ووزير النقب والجليل والمرونة الوطنية، نفس الدعوة خلال اقتحام المسجد الأقصى في وقت سابق من هذا الشهر. وقال في فيديو مصوّر داخل المجمع: “نصلي من أجل بناء الهيكل والفداء الكامل.”

ويخشى الفلسطينيون من أنه بعد فرض تقسيم زمني بحكم الواقع في الأقصى، من خلال تخصيص أوقات محددة للمسلمين واليهود للصلاة أو الوصول إلى الموقع، فإن الخطوة التالية ستكون تقسيمًا فعليًا.

وكما حدث مع التقسيم الزمني، سيتم ذلك على مراحل، تبدأ ببناء كنيس داخل مجمع المسجد قبل التوسع لاحقًا.

ويُشبه هذا التدريجي سيطرة إسرائيل على المسجد الإبراهيمي في الخليل، الذي تم تقسيمه أولًا زمنيًا ثم مكانيًا.

والآن، تشير التقارير إلى أن السلطات الإسرائيلية تخطط رسميًا لتجريد الأوقاف من دورها الإداري هناك أيضًا.

خلال رمضان 2025، منعت القوات الإسرائيلية المسلمين من دخول المسجد الإبراهيمي أيام الجمعة في خطوة غير مسبوقة.

وقال مصدر من الأوقاف تحدث إلى ميدل إيست آي: “ما يحدث في المسجد الأقصى ليس مجرد سلسلة من الانتهاكات العابرة، إنه مشروع تهويد شامل يهدف إلى فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على المسجد.”

وأضاف: “يجب على الفلسطينيين والعالم الإسلامي إدراك حجم التحدي والاستعداد لمواجهة خطة تتسابق مع الزمن، قبل أن يصبح الواقع المفروض أمرًا لا رجعة فيه.”