شهدت
غزة هذه الأيام مزيدا
من التدمير الممنهج والعدوان الهمجي الذي لا يعرف أي قيم إنسانية، وأصبح قادة
الكيان الصهيوني يتسابقون على غزة وكأنها كعكة سيأكلونها بسهولة ويسر، حتى أن وزير الأمن القومي الصهيوني اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير صرح
بأنهم سينهون مهمتهم ويحتلون غزة، وأنه يريد بناء حي فاخر لأفراد الشرطة
الإسرائيلية على أنقاض قطاع غزة. وأضاف: على شاطئ البحر، سيكون كل شيء مثاليا. وقد
صفق له بشدة على تلك التصريحات كبار المسؤولين في حفل نخب رأس السنة العبرية في
بيت شيمش.
كما صرح وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل
سموتريتش، بأن قطاع غزة يُمثل فرصة استثمارية عقارية واعدة، وأنه يُجري محادثات مع
الولايات المتحدة حول كيفية تقسيم القطاع الساحلي بعد الحرب، مُؤكدا بذلك رغبته في
تحويله إلى أرض إسرائيلية. وأضاف: هناك خطة عمل وضعها أكثر الأشخاص احترافية هنا،
وهي على مكتب الرئيس ترامب.. لقد دفعنا أموالا طائلة لهذه الحرب. علينا أن نرى كيف
سنوزّع الأراضي بالنسب المئوية.. لقد أنجزنا بالفعل عملية الهدم، وهي المرحلة
الأولى من تجديد المدينة. والآن علينا البدء بالبناء.
تصريحات نتنياهو تعكس تحولا استراتيجيا عميقا في التفكير الصهيوني، وأنه رغم ما يفعله في غزة من تدمير ونصر مزيف فإنه يضع آخر مسمار في نعش هذا الكيان المحتل
وهذه
التصريحات المتطرفة لسموتريتش ليست جديدة، ففي تموز/ يوليو، تحدث في مؤتمر في الكنيست
بعنوان "ريفييرا غزة من الرؤية إلى الواقع"، حيث قدّم المشاركون خططا
لإعادة الاستيطان اليهودي في قطاع غزة. وفي المؤتمر، قال إن غزة ستصبح جزءا لا
يتجزأ من دولة إسرائيل. وفي أيار/ مايو، قال: إن سكان القطاع سيتم حصرهم في شريط
ضيق من الأرض، بينما سيتم تدمير بقية الإقليم بالكامل. وفي تموز/ يوليو ذكر أن
رؤيته تحظى بدعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وقد صرح ترامب في شباط/ فبراير أن الولايات المتحدة
ستسيطر على غزة، وتنقل سكانها، وتحولها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط".
ورغم ما قيل عن تراجع ترامب عن هذا الاقتراح، إلا أن صحيفة "واشنطن بوست"
ذكرت أن الاقتراح لم يتم التخلي عنه تماما، وأن إدارة ترامب تدرس اقتراحا لإعادة
إعمار غزة بعد الحرب، والذي من شأنه أن يضع القطاع تحت السيطرة الأمريكية لعقد من
الزمن، ويدفع بربع سكانه تقريبا للانتقال، والعديد منهم بشكل دائم.
وتأتي كل
هذه التصريحات العلنية وكأن العرب والمسلمين قد ماتوا، بل تعكس هذه التصريحات حجم
المأساة التي نعيشها، فقد كنا نقرأ عن نكبة 1948م وعجز العرب والمسلمين، ولكن لم نكن نتصور أن
نعيش لنرى بأم أعيننا نكبات بعضها فوق بعض من خيانات وتآمرات جماعية. ومع ذلك تبقى
المبشرات الإلهية.
لقد صرح
رئيس الوزراء بنيامين
نتنياهو بأن إسرائيل تواجه عزلة متزايدة، وقد يُطلب منها أن
تصبح اقتصادا معتمدا على الذات يتمتع بخصائص الاكتفاء الذاتي ونوعا من إسبرطة
العظمى. وقد رفض سموتريتش تصريح نتنياهو وقال: لا أتفق مع كلام رئيس
الوزراء، ولم يعجبني تشبيهه بإسبرطة.. وقد أثارت تصريحاته انتقادات لاذعة من
قيادات المعارضة ورجال الأعمال، وأعقبها انخفاض في قيمة الأسهم في بورصة تل أبيب.
وقد رد عليه نتنياهو بأنه يثق ثقة كاملة بالاقتصاد الإسرائيلي، وأن تصريحاته جاءت
للتركيز على الصناعات الدفاعية لا على الاقتصاد ككل.
وتصريحات
نتنياهو تعكس تحولا
استراتيجيا عميقا في التفكير الصهيوني، وأنه رغم ما يفعله في غزة من تدمير ونصر
مزيف فإنه يضع آخر مسمار في نعش هذا الكيان المحتل، وهو حينما يستدل بإسبرطة فهو
يعود للتاريخ اليوناني، حيث كانت إسبرطة دولة عسكرية شديدة الانضباط، معزولة إلى
حد ما، تعتمد على القوة العسكرية المطلقة كأولوية فوق كل شيء، مع الاكتفاء الذاتي
وعدم الاعتماد على الدول الأخرى، والثقافة المحافظة والانضباط الصارم والتضحية من
أجل الدولة، مقارنة بمقارنتها بـأثينا التي كانت تمثل الديمقراطية، والثقافة،
والتجارة، والانفتاح على العالم.
فرغم
موقف الولايات المتحدة الداعم للظلم والمساند لنتنياهو فإن نتنياهو يشير إلى أن إسرائيل لم تعد قادرة على
الاعتماد على حلفائها التقليديين (مثل الولايات المتحدة، دول أوروبا) بالدرجة السابقة، بسبب الضغوط الدولية لوقف الحرب
في غزة، وانتقادات حقوق الإنسان والاحتجاجات العالمية، وتهديدات بمقاطعة اقتصادية
ودبلوماسية. لذلك يرى أن الخيار الوحيد هو أن تصبح إسرائيل مثل إسبرطة تعتمد على
قوتها العسكرية الذاتية فقط وتزيد من إنفاقها العسكري، وتبني اقتصادا دفاعيا يعتمد
على التصنيع العسكري المحلي والتكنولوجيا الأمنية، وتتقبل العزلة الدولية كحقيقة
واقعة وتستعد للعمل بمفردها، وتضحي بالرفاهية الاقتصادية والانفتاح من أجل البقاء
والأمن.
وهذا
التوجه يعني مزيدا
من التوسع في الصناعات العسكرية والاستخباراتية، وتقليص القطاعات المدنية التي
تعتمد على الاستيراد أو التصدير للعالم، وتغيير الثقافة المجتمعية نحو مزيد من
القومية والعسكرة والتعبئة العامة، وتدهور مستوى المعيشة، لأن الموارد ستوجه نحو
الجيش والأمن على حساب الخدمات الاجتماعية، مع المزيد من العزلة الدولية، مما قد
يدفعها للتحالف مع قوى منبوذة أخرى أو العمل منفردة، مع مزيد من الصراعات الداخلية.
رغم الألم الشديد في غزة والتآمر والخذلان العربي والإسلامي ومؤتمر القمة العربي الإسلامي في قطر ومخرجاته الباهتة، فإن هناك ألما في الكيان الصهيوني وما يواجهه من انقسامات داخلية اجتماعية ودينية وأيديولوجية وسياسية. ونحن نتميز عنهم بأننا رغم هذا الضعف ورغم انتفاش الباطل فإننا نعيش بالأمل في ظل رباط أهل غزة وثباتهم
إنه رغم
الألم الشديد في غزة والتآمر والخذلان العربي والإسلامي ومؤتمر القمة العربي
الإسلامي في قطر ومخرجاته الباهتة، فإن هناك ألما في الكيان الصهيوني وما يواجهه
من انقسامات
داخلية اجتماعية ودينية وأيديولوجية وسياسية. ونحن نتميز عنهم بأننا رغم هذا الضعف
ورغم انتفاش الباطل فإننا نعيش بالأمل في ظل رباط أهل غزة وثباتهم ووعد الله
ورسوله لهم وأنه لا يضرهم من خذلهم، فمن بين ركام المباني قد يخرج من يحمل الراية
ويحرر فلسطين، وكان حقا على الله نصر المؤمنين.
واستراتيجية نتنياهو هي بداية نهاية هذا الكيان
اللقيط، ولا أذهب بعيدا حينما أذكر بعض مقولات في ذلك لصهاينة وفي مقدمتهم نتنياهو
نفسه الذي سئل في مقابلة مع مجلة تايم: هل تخشى أن لا تنجو الصهيونية بعد هذه الحرب؟ فكان رده: ستنجو
إذا انتصرنا، وإذا لم نفز فسيكون مستقبلنا في خطر كبير.
كما صرح رئيس
الوزراء الصهيوني الأسبق إيهود باراك أن إسرائيل قد تتوقف عن الوجود قبل الذكرى
الـ80 لتأسيسها (أي قبل عام 2028م) إذا استمرت الأمور على حالها. وأشار إلى لعنة العقد الثامن، حيث إنه عبر
التاريخ اليهودي، لم تحكم جماعة إسرائيلية لأكثر من ثمانين سنة باستثناء فترات
محددة، وأن هناك خطرا أن تأتي نهايتها في العقد الثامن أيضا.
كما حذر وزير
الخارجية الصهيوني الأسبق، اليميني المتطرف أفيغدور ليبرمان، بأن إسرائيل قد تتوقف
عن الوجود بحلول عام 2026م إذا ما استمر بنيامين نتنياهو في الحكم، معتبرا
أن السياسات الحالية قد تؤدي إلى تدمير الدولة. ووصف الوضع بأنه أزمة وجودية
متعددة الأبعاد، تشمل الأبعاد الأمنية، والسياسية، والاقتصادية.
وأعرب وزير الدفاع الأسبق موشي يعلون عن أن
التهديد الحقيقي لإسرائيل ليس فقط من الخارج، بل داخلي وجودي، أي من خلال التفتت
الداخلي، وفقدان التضامن الوطني والاجتماعي، والخلافات السياسية الحادة.
x.com/drdawaba