في
ذروة ما بات يصفه الإسرائيليون بـ"التسونامي السياسي"، وبينما تعترف
سلسلة من العواصم الغربية بالدولة الفلسطينية من على مسرح الأمم المتحدة، يعني أن
ذروة المواجهة مع العالم في أوجها، لأن العديد من الدول التي تعلن اعترافها
بالدولة الفلسطينية كانت تدعم
الاحتلال في كل قضية تقريبًا حتى ما قبل عامين، مما
يستدعي من الأخير أن يحاول استدراك ما يمكن استدراكه قبل وصول هذه العزلة التي
يعيشها الى خط اللارجعة، وفقا لما يذكره كبار مفكريه ومُنظّريه السياسيين
والاستراتيجيين.
وذكر الجنرال
غيورا إيلاند الرئيس الأسبق لمجلس الأمن القومي، أن "الورطة السياسية لإسرائيل تنبع من ثلاثة عوامل رئيسية، أولها مدة الحرب في غزة، فمثل كثيرين في
العالم، وبين الإسرائيليين أنفسهم، يدرك قادة فرنسا وإنجلترا أن الحرب كان يمكن أن
تنتهي قبل ستة أشهر أو أكثر، لكن تل أبيب رفضت كل فرصة لإنجاز من شأنه أن يسمح
بإطلاق سراح الرهائن".
وأضاف
في
مقال نشره موقع ويللا، وترجمته "عربي21" أنه "في نظر العديد من قادة العالم، فإن استمرار الحرب نتيجة لرغبتين لرئيس
الحكومة بنيامين
نتنياهو: أولاهما مواصلة الانتقام ضد غزة، وثانيهما إدامة مدة
الحرب لأسباب سياسية داخلية وشخصية أيضًا".
وأشار
إيلاند إلى أن "العامل الثاني هو الازدراء الإسرائيلي للمواقف الأوروبية، التي يتميز قادتها
دائمًا بـ"أنا" كبيرة، ودافع واضح للحفاظ على الشرف الوطني، لكن وزراء
الحكومة، بقيادة نتنياهو، يقللون من شأن المواقف الأوروبية، وهذا النهج خطأ نموذجي،
ففي ربيع عام 2004، وافقت الحكومة على خطة فك الارتباط، وسبقتها زيارة قام بها
رئيس الوزراء أريئيل شارون للولايات المتحدة، وحظيت الخطة بدعم علني من الرئيس جورج
بوش".
وتابع، "بصفتي رئيسًا لمجلس الأمن القومي، أرسلني شارون لعرض الخطة في العديد
من العواصم المهمة، لأنه من الصواب دائمًا إجراء حوارٍ سليم مع الدول الأخرى، وليس
فقط مع الولايات المتحدة، لأن عدم إلزام آراء الدول الأخرى لإسرائيل لا يعني
عدم معاملتها باحترام".
وأكد
أن "العامل الثالث هو استمرار إسرائيل، فمع بداية الألفية الثالثة عام 2000،
لم يشهد المجتمع الدولي سوى ظاهرة واحدة لشعب يحكم آخر، ألا وهي السيطرة الإسرائيلية
على الفلسطينيين، وهنا يهدف الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية لمعاقبة إسرائيل على
عدم وقف الحرب في غزة، مما يدفع للتساؤل: هل يهدف هذا الاعتراف أساسًا لمعاقبته أم
لمصلحته".
وأضاف
أن "هناك ميل إسرائيلي للردّ على العالم بنوعين من الإجراءات: أولاهما فرض
عقوبات على إنجلترا وفرنسا، وثانيهما اتخاذ إجراءات أحادية الجانب في الضفة
الغربية، لاسيما ضمّ الأراضي، وهذه خطوات خطيرة قد تؤدي لتدهور أكثر خطورة، لأن قدرات إسرائيل الكبيرة، والدعم المتردد من الولايات المتحدة، لا يمكنها مواجهة جميع دول
العالم، مع أن الخطوة اللازمة لتحسين علاقاته بالدول الغربية تشمل إنهاء الحرب في
غزة، واستعدادًا حقيقيًا لمناقشة "اليوم التالي".
ودعا
الى "شرح المواقف الإسرائيلية في اجتماعات محترمة مع شخصيات مؤثرة في الدول
الغربية، وتجنّب التصريحات التحريضية من قبل الوزراء، واختيار المتحدثين باسم إسرائيل بصورة لبقة، لأن عدد الوزراء القادرين على القيام بذلك محدود، وعدد السفراء
القادرين على عرض الموقف الإسرائيلي بشكل صحيح ليس كبيرا، والعديد منهم لا يملكون المؤهلات
اللازمة لجعل مستمعيهم الغربيين يرغبون بالاستماع إليهم".
وطالب
بـ"اختيار خبراء، ومؤرخين، ومستشرقين، وصحفيين ذوي خبرة، وعسكريين ذوي خبرة
في الحوار السياسي، ودبلوماسيين بارزين متقاعدين من الخدمة المدنية، وإرسالهم للدول
الغربية التي تهاجم إسرائيل باستمرار، صحيح أننا لسنا بصدد حملة دعائية، بل خطوة
سياسية مهمة قادرة بلا شك على إحداث تأثير، لكن الحكومة وزعيمها تسعى لتعميق
الخلاف مع الدول التي كانت صديقة في الماضي، بدلاً من محاولة تقليل الضرر".
تشير
هذه القراءة الإسرائيلية المتشائمة من مستقبل علاقات إسرائيل مع المجتمع الدولي
إلى أن هذا التسونامي الحاصل يقوم بـ"جرّ" المزيد والمزيد من الدول للاعتراف
بدولة فلسطينية، مع أنها ليست المشكلة الدولية الوحيدة للاحتلال، لأن مقاطعته تمتد
إلى مجالات الترفيه والرياضة والثقافة، والأسوأ من ذلك أن هذه المقاطعة تمتد أيضًا
للمجال الاقتصادي.