ملفات وتقارير

إدارة غزة من "العريش" و"ساويرس" بقائمة "بلير".. أولى معالم دور مصر بخطة ترامب

تحتوي العريش على منشآت ومرافق إدارية وأجهزة أمنية ومناطق سكنية ضرورية- الأناضول
منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، "خطة" من 20 بندا لوقف حرب الإبادة الدموية الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وتثار التساؤلات بشأن معالم الدور المصري بالخطة التي لاقت ترحيبا أمميا وعربيا.

أهم بنود "خطة ترامب"، بحسب وكالة "سي بي أن سي" الأمريكية: إنهاء الحرب، وانسحاب القوات الإسرائيلية، وعودة الأسرى، وإدخال المساعادات، ونزع سلاح المقاومة، ونشر قوات دولية على حدود مصر والقطاع، وحكومة انتقالية دولية تدير غزة برئاسة ترامب، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، تحت تصرفها 400 مليون دولار.

إدارة من العريش
والاثنين الماضي، أكدت صحيفة "الغارديان" البريطانية، التي اعتبرت خطة ترامب "مهمشة للفلسطينيين"، أن (مجموعة جيتا)، "ستعمل في البداية من العريش في مصر، بالقرب من الحدود الجنوبية لغزة، ويقودها مجلس من 7 إلى 10 أعضاء معتمد من مجلس الأمن الدولي"، ملمحة إلى أن لذلك المجلس صلاحيات ومخصصات مالية كبيرة.

وفي اتصال تليفوني مع المذيع أحمد موسى عبر فضائية "صدى البلد"، حول كيفية تنفيذ خطة ترامب، أعلن السياسي المصري الدكتور عبدالمنعم سعيد، أن مدينة "العريش" عاصمة محافظة شمال سيناء ستكون المقر الدائم للسلطة الانتقالية لحكم غزة، "Gaza International Transitional Authority" التي ستعرف اختصارا باسم (جيتا).


ويذكر أن سعيد أحد مؤيدي ملف التطبيع مع الاحتلال، وفي حديثه مساء الثلاثاء، عن دور مصر المحتمل، قال: "أرى أنه سيكون بها مركز مهم لموضوع الإغاثة، وموضوع التعمير، والموضوع المقترح بأن يكون مقر الإدارة بالعريش، لأنه لا توجد هناك حتى حجرة يجلس فيها أحد مدة سنة، وستكون مصر شريكة بهذه الإدارة".



لماذا العريش؟
وكتب الناشط أشرف بدراوي، يقول: "العريش على بعد 40 كيلومتر من غزة، ولا تنسوا أن العريش إحدى نقاط صفقة القرن التي تمتد من حدود غزة للعريش".

وتتمتع العريش، بموقع استراتيجي وإمكانيات بنية تحتية ولوجستية حيوية تجعلها مقرا مفضلا للسلطة الانتقالية المقترحة لحكم غزة، خاصة لدورها المحوري الحالي كبوابة للمساعدات الإنسانية وملف الإعمار.

ومن حيث الإمكانيات اللوجستية والنقل يوجد ميناء العريش البحري على بُعد 53 كم من غزة، والذي يشهد تطويرا وتوسعة تجعله نقطة هامة لجلب مواد إعادة الإعمار والوقود والمعدات للسلطة الانتقالية.

ويوجد في العريش أيضا مطار دولي، يعمل حاليا لاستقبال المسؤولين والدبلوماسيين الأجانب، والطائرات الدولية التي تحمل المساعدات الإنسانية لغزة، فيما جرى إنشاء مخازن لوجستية ضخمة بالقرب من المطار والميناء، لتجميع وتوزيع المساعدات.

وتحتوي العريش على منشآت ومرافق إدارية وأجهزة أمنية ومناطق سكنية ضرورية لعمل أية هيئات دولية، فيما أنشأت الدولة المصرية مدينة عمرانية جديدة ومرافق متكاملة بمدينة "رفح الجديدة"، قرب غزة.

حضور ساويرس
ووفقا لما نشرته "الغارديان" ظهر اسم رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، بوثيقة مسربة وضعت الأسبوعين الماضيين، ومكونة من 21 صفحة مقترحة، يُقال إن توني بلير وصهر ترامب جاريد كوشنر، تداولاها ليكون ساويرس، ضمن هيئة حكم غزة، باعتباره مطورا عقاريا.

وقالت الصحيفة إن "الوثيقة لم تُذكر أي شخصيات فلسطينية، لكنها تُدرج شخصيات خارجية بارزة لأدوار محتملة، بمن فيهم الملياردير المصري نجيب ساويرس".

وألمحت إلى أنها "ستشمل تمثيلا لأعضاء مسلمين"، لافتة إلى "احتمال ترشيح دول الخليج أو مصر لبعض الشخصيات"، ومشيرة إلى مشاركة "إسرائيل" ومصر والولايات المتحدة رئاسة (جيتا) الجوانب الأمنية الاستراتيجية.

وبمتابعة صفحة "Naguib Sawiris"، النشطة عبر منصة "إكس" (تويتر سابقا)، لم يتطرق رجل الأعمال المثير للجدل بانتقاداته للمقاومة الفلسطينية في آذار/ مارس الماضي، ووصمها بـ"الإرهاب"، إلى ما أثير حول وجود اسمه بقائمة حكام غزة.

مخاطر الخطة على مصر
وفقا لوثيقة نشرتها صحيفة "هآرتس" العبرية، الاثنين الماضي، فإن خطة توني بلير، لإدارة القطاع تتضمن تشكيل 3 تشكيلات لقوات أمنية، تقدر ميزانيتها بـ387.5 مليون دولار.

تلك القوة، منوط بها تنفيذ "عمليات مستهدفة لمنع عودة ظهور جماعات مسلحة"، ملمحة أيضا إلى أن هيئة حكم غزة، ستقوم أيضا "بإدارة المعابر المؤدية إلى غزة والمنافذ البحرية والمناطق المحيطة بالتنسيق مع إسرائيل ومصر"، ما يثير المخاوف بشأن الأمن القومي المصري.

وتشير القراءة الأولية لخطة ترامب، إلى احتمال تعرض مصر لمخاطر تتعلق بالأمن القومي والسيادة على الحدود، رغم أن الخطة في شكلها المبدئي تستبعد تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.

وبحسب ما طرحه محللون، تنص الخطة على تشكيل قوة حفظ سلام (عربية ودولية) ستعمل مع "إسرائيل" ومصر لتأمين الحدود مع غزة، ما يعني وجود قوات إسرائيلية ودولية على الجانب المصري والفلسطيني من الحدود، ما يشير لإمكانية فرض رقابة إسرائيلية ودولية على الحدود وعلى محور "فيلادلفيا"، ما يمثل انتهاكا للأمن القومي المصري.

وتخلو الخطة من التهجير القسري للفلسطينيين، إلا أنها تقوم على تغليب الأمن الإسرائيلي والرقابة على الحدود، على استقرار غزة وتأمين حدود مصر، وتركز فقط على نزع سلاح المقاومة الفلسطينية دون تقديم تعهد يمنع تجاوزارت "إسرائيل" مستقبلا، أو حل سياسي دائم يوقف تهديدها.


وعلى الجانب الآخر، يلمح البعض إلى مكاسب مصر من إعادة إعمار القطاع، وانعاش اقتصاد يعاني الركود، وإسناد أعمال واسعة لشركاتها الكبرى، وتشغيل لسنوات لمصانع الأسمنت والحديد وقطاع المحاجر من الطوب والرمل.

ويأتي هذا بينما قد يتبع تنفيذ خطة ترامب تدشين "ممر بايدن"، التجاري (البحري من الهند وحتى الإمارات، والبري عبر السعودية والأردن إلى إسرائيل، ومنها إلى أوروبا)، والذي يضر بمستقبل قناة السويس التي تستقبل 12 بالمئة من حجم التجارة العالمي.

بحكم الجغرافيا والسياسة
وقال السياسي والإعلامي المصري الدكتور حمزة زوبع، لـ"عربي21": "يبدو أن إدارة غزة ستكون من العريش، وهناك ميزانية تم رصدها لتلك الإدارة ولفريق العمل بقيمة 400 مليون دولار".

وأضاف: "كان يمكنهم إنشاء مكان في غزة لو أرادوا بما لديهم من قدرة هائلة وإمكانيات إنشائية لدى مصر، لكن العريش تمثل لهم المكان القريب بحكم الجغرافيا، وبحكم السياسية يكون لمصر دور أيضا".

وعن وجود اسم نجيب ساويرس بقائمة إدارة حكم غزة، أكد المتحدث السابق باسم حزب "الحرية والعدالة" المصري الحاكم سابقا، أن "دوره يذكرنا كمصريين بدور المعلم يعقوب حنا (1745- 1801) في صعيد مصر إبان الاحتلال الفرنسي لمصر (1798-1801)".

وأشار إلى أن "ساويرس له أدوار سياسية أغضبت مصريين، وبينها دعم انقلاب عبدالفتاح السيسي عام 2013، بتمويل (حملة تمرد) وعصابات (بلاك بلوك)"، مرجحا حضوره في القائمة المسربة كونه "صديق شخصي لتوني بلير، أحد حضور حفل زواج نجل ساويرس بالأهرامات، أيار/ مايو 2022".

وتوقع زوبع أن "يكون لساويرس قطعة من كعكة إعمار غزة، وذلك إلى جانب ما قد يكون للجيش المصري من حضور بالقطاع، متمثلا في الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، في ملف الإعمار، ما يعني مكاسب مالية واقتصادية كبيرة لمصر قد تكون على حساب قضية غزة".

أزمة لمصر وانفراجة لـ"إسرائيل"
وعن مخاطر تلك الاتفاقية على مصر وخاصة مع فرص إنشاء "ممر بايدن"، وفقدانها قوتها الاقتصادية والإقليمية، أكد السياسي المصري، أن "دور مصر أصبح رمزيا، ولو كان لها دور حقيقي في الإقليم لكانت فرضت خطتها للإعمار، دون تهجير الفلسطينيين، ودون إدارة من خارج القطاع".

وأوضح أن المشهد من يقول بذلك، مشيرا إلى "أننا نتحدث عن شعب مجاور لمصر تم جلب إدارة أجنبية له من الخارج، وليست مصرية أو عربية ولا مسلمة؛ فقط يسمح بدخول قوات عربية لتقاتل نيابة عن إسرائيل، التي نجا جيشها من مقتلة، وخرج رئيس وزرائها من ورطة، وحصل ترامب على جائزة نوبل للسلام".

وخم بالقول: "تنفيذ خطة ترامب سيكون أمرا صعبا بل مستحيلا، لأن المسألة متعلقة في طرف يتم تغييبه عن خطة سلام لقطعة أرض عربية تتم، ويعلنها ترامب ونتنياهو دون حضور حتى للسلطة الفلسطينية ولا أيا من العرب".

قائمة مثيرة للمخاوف
ومن المرشحين لإدارة قطاع غزة في القائمة التي وصفها زوبع، بـ"المثيرة للمخاوف"، والتي يرأسها دونالد ترامب، والمحتمل أن يقودها بين 7 و10 أشخاص، بحسب "هآرتس" العبرية: السيدة الهولندية سيغريد كاغ، منسقة السلام بالشرق الأوسط، التي تتحدث العربية وزوجها الفلسطيني أنيس القاق، الذي شغل منصب نائب وزير في عهد ياسر عرفات.

والملياردير اليهودي الإسرائيلي مارك روان، إلى جانب الرئيس التنفيذي لمعهد السلام في "اتفاقيات إبراهام" اليهودي المسيحي أرييه لايتستون، المستشار السابق للسفير الأمريكي بـ"إسرائيل" ديفيد فريدمان.

وتوني بلير، الذي وصفته صحيفة "الشروق" المحلية، بـ"راعي الخطط الإسرائيلية وعراب غزوات الشرق الأوسط".

ويرتبط اسم بلير، في العقل الجمعي العربي والعراقي بشكل خاص، بحرب التحالف الغربي ضد العراق عام 2003، وتدمير قوته العسكرية تحت ذريعة وجود أسلحة نووية، وهو الاتهام الذي ثبت كذبه لاحقا.

ةيرتبط اسم بلير، كذلك، بما يثار حول مخططات غربية بحق إقليم الشرق الأوسط، وخاصة مع ارتباطه الشديد بإدارة دولة الإمارات صاحبة الأدوار المثيرة بدول عربية بينها اليمن وليبيا والسودان، فيما يتخوف مصريون من سطوتها على النظام الحالي وسيطرتها المالية على اقتصاد بلادهم.

مصر والعواقب الأخرى
وفي رؤيته، قال الباحث المصري حسام عبدالكريم، إن "مصر، ارتكبت سلسلة أخطاء خلال عامين"، موضحا أنها "حاليا لا تهتم إلا بإحباط مخطط تهجير الفلسطينيين إليها، ولا تكترث للعواقب الأخرى على المنطقة أو القضية الفلسطينية".


ورجح "في ظل الموقف المصري المتردد والمرتعش، ومع التفريط بالخيارات والبدائل، أن تقبل القاهرة بأي تصور مهما كانت عبثيته، طالما يحبط مخطط التهجير إلى مصر"، متوقعا أن تشن حملة ضد حركة "حماس" حال رفضت خطة ترامب.



التنازل الخطير
وعبر منصة "إكس"، كتب الخبير المصري في الاستراتيجية وإدارة الأزمات، الدكتور مراد علي، إن "خطة ترامب، هي خطة نتنياهو، وثمن قبولها: قتل مشروع الدولة الفلسطينية، ووضع غزة تحت إدارة أجنبية، وشرعنة احتلال إسرائيل لمحور فيلادلفيا".


وأوضح أن "الخريطة التي وزعها البيت الأبيض تترك للجيش الإسرائيلي (مناطق أمنية) واسعة؛ أخطرها  في محور فيلادلفيا على حدود مصر، ما يشكل تهديدا للأمن القومي المصري"، ملمحا إلى أنه "ربما كان هدف زيارة رئيس الإمارات إلى القاهرة الاثنين الماضي لتمرير هذا التنازل الخطير".