سياسة عربية

"الغارديان": قادة الغرب الذين دعموا المذبحة لا يمكنهم صنع سلام لفلسطين

القمة تسعى لتجميل صورة الدول التي سلحت إسرائيل- جيتي
نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية مقالا للصحفية نسرين مالك، رأت فيه أن قادة الغرب المشاركين في قمة شرم الشيخ هم أنفسهم من "مكّنوا ورعوا المذبحة في غزة"، ولهذا بحسب قولها لا يمكنهم بناء مستقبل فلسطيني حقيقي".

وقالت مالك في مقالها إن شرم الشيخ استضافت أبرز تجمع لقادة العالم في الشرق الأوسط منذ سنوات، حيث يشارك في القمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، وآخرون، تحت شعار "إنهاء الحرب في قطاع غزة وتعزيز جهود السلام والاستقرار في الشرق الأوسط وبدء عهد جديد من الأمن الإقليمي".

ورأت الكاتبة أن "هذه اللغة تنذر بمستقبل خالٍ من المحاسبة أو معالجة الأسباب الجذرية للصراع"، معتبرة أن الهدنة، إن صمدت، ستؤدي إلى "تطبيع نتائج المذبحة"، بينما يستمر الاحتلال الإسرائيلي بلا مساءلة، ويُطوى فصل آخر من انتهاكات إسرائيل سرا، ليس فقط ضد الفلسطينيين بل ضد مَن دعموها أيضا.

وأضافت مالك أن تعبيرا عربيا يتبادر إلى الذهن في هذا السياق هو "حاميها حراميها"، في إشارة إلى أن الدول التي سلحت إسرائيل هي ذاتها التي تبحث الآن عن طريق لتحقيق السلام في غزة.

وتابعت أن الصور القادمة من القطاع تكشف دمارا غير مسبوق، حيث يعود السكان إلى منازلهم ليجدوا "أرضا قاحلة سوتها القنابل والجرافات بالأرض"، مؤكدة أن حتى ضوء الشمس في الصور يبدو "خارقا للطبيعة" لأن المباني التي كانت تخلق الظلال اختفت تماما. وأشارت إلى أن الناجين يعودون ليقيموا خياما جديدة بانتظار المساعدات، لكن هذه المرة "بخطر أقل للتعرض للقصف أثناء النوم".

وتساءلت الكاتبة عن مصير الحياة بعد الموت في غزة، وعن الأطفال الأيتام والمشوهين الذين فقدوا أسرهم، موضحة أن "الدمار لم يطل البنية التحتية فقط، بل محا أيضا النسيج الاجتماعي، إذ أُبيدت عائلات كاملة على مدى أجيال". ونقلت عن أحد سكان غزة قوله عن شقيقه الذي فقد عائلته في غارة واحدة: "يتجول باستمرار حول الأنقاض التي ماتوا فيها".

وقالت إن أعداد القتلى مرشحة للارتفاع مع استمرار انتشال الجثث من تحت الأنقاض، مشيرة إلى أن "ما لا يقل عن 10 بالمئة من سكان غزة قُتلوا أو جُرحوا، وهو تقدير متحفظ".

وأضافت أن تجاهل هذه الحقائق والتعامل معها كتكاليف للحرب "يشكل جريمة أخلاقية وسياسية"، مشددة على أن "الهجوم يجب أن يتوقف، لكن الأهم هو معالجة الظروف التي سمحت بوقوعه واستمراره".

وأكدت مالك أن حجم الدمار يجعل من الصعب التركيز على أي شيء سوى وقف القتل، "لكن هذا التركيز ذاته يحمل في طياته خطر التبرئة"، مشيرة إلى أن ترامب "يستعد للاحتفال بنصره في صنع السلام"، رغم أنه ساهم في تمكين ما حدث، فيما أشاد جاريد كوشنر بـ"سلوك إسرائيل"، قائلا: "بدلا من تكرار همجية العدو، اخترتم أن تكونوا استثنائيين".

وأضافت أن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أثنى على ترامب لدوره في تأمين الصفقة، بينما ركز على السماح بإدخال المساعدات الإنسانية، وذكرت أن مكتب رئيس الوزراء أعلن أنه سيشيد "بشكل خاص" بالرئيس الأمريكي في قمة شرم الشيخ.

وعلقت قائلة: "هكذا أصبح لدينا جريمة بلا مجرمين، وإبادة جماعية بلا مرتكبي إبادة جماعية، وشعب بائس يُقال إن حماس هي من أذلته، ويُتعامل معه الآن كمن يحتاج إلى الإطعام والرعاية بينما يُمحى من جديد تاريخه وهويته".

وأوضحت مالك أن هذه التبرئة ستكون هذه المرة أكثر إلحاحا، لأن مسؤولية الدول التي سلحت إسرائيل وقمعت الاحتجاجات ضدها "باتت أوضح من أي وقت مضى"، مشيرة إلى أن تلك الدول "ستسارع إلى شرم الشيخ لتبرئة نفسها"، لأنها زودت إسرائيل بالسلاح، ورفضت الالتزام بأحكام المحكمة الجنائية الدولية حين أصدرت مذكرة توقيف بحق بنيامين نتنياهو.

وقالت الكاتبة إن "الحديث عن السلام في غزة" تحول إلى فرصة للنسيان، ومحاولة لمحو مرحلة من الوعي الجماعي التي كشفت تواطؤ بعض الحكومات الغربية في تدمير غزة، مضيفة أن ما حدث "لن يُنسى بسهولة"، وأن "المستقبل الآمن لسكان غزة لا يمكن أن يصنعه من تلطخت أيديهم بدمائهم".

واختتمت مقالها بالتأكيد على أن وقف القتل لا يعني نهاية المأساة، مشيرة إلى أن الفلسطينيين سيظلون يواجهون القتل ومصادرة الأراضي والاعتقال دون محاكمة عادلة، وأن "ما تعلمه العالم خلال العامين الماضيين لا يمكن تجاهله".

وقالت نسرين مالك في ختام مقالها في "الغارديان": "لقد تخلى مرتكبو هذا الدمار منذ زمن طويل عن أي ولاية على الشعب الذي ساعدوا في قتله وتحطيمه"، مضيفة أن ما يُكشف الآن من أعداد القتلى والدمار في غزة يجعل إنكار الحقيقة مستحيلا، وختمت بعبارة مستوحاة من قصيدة "جيرونشين" للشاعر تي. إس. إليوت: "بعد هذه المعرفة، أي غفران؟".