شهدت
تركيا قبل تسع سنوات وفي منتصف
تموز/ يوليو 2016، محاولة انقلاب عسكري فاشلة استمرت 21 ساعة، وبدأت تحديداً عند
الساعة 20:30 من مساء ذلك اليوم، ودبرها فصيل داخل القوات المسلحة التركية، وأعلن
مدبرو الانقلاب إنشاء مجلس السلم من أجل أن تكون الهيئة الحاكمة في البلاد.
وعقب سيطرتهم على قناة "تي آر
تي" الرسمية التركية، بث مدبرو الانقلاب بيانا تضمن خلاله حظر التجول في
أنحاء تركيا وإغلاق المطارات، وحسب المصادر العسكرية التركية فإنّ قائدي القوات
الجوية والبرية هما من نفّذا الانقلاب على الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان، وأن
محرم كوسا وهو المستشار القانوني لرئيس الأركان هو من خطط للانقلاب.
ونستعرض أبرز ما شهدته تركيا في هذه
المحاولة، والتي بدأت بتحرك 33 جنديا من القوات الخاصة مدججين بالسلاح من قاعدة
"أكنجي" نحو رئاسة الأركان العامة في أنقرة.
⬛ تجمع في مقر رئاسة الأركان
كل من رئيس دائرة الاستراتيجية السابق في رئاسة الأركان الفريق المتقاعد محمد
ديشلي، والمستشار الأول لرئيس الأركان العقيد أورهان يقلكان، واللواء محمد
بارتيغوش، ومدير مكتبه العقيد رمضان غزول، لتنظيم المحاولة الانقلابية داخل مقر
القيادة.
⬛ الساعة 21:00، قام
ديشلي بإبلاغ الجنرال أكار رسميًا ببدء الانقلاب. ولما أدرك أن الأخير لن يوافق
على الخطوة، أصدر ديشلي أوامر لفريقه الذي كان ينتظر خارج المكتب بالتدخل.
وعلى إثر ذلك، تولى كل من العقيدين غوزل
ويِقلكان، والمقدم لوند تورك قان (السكرتير العسكري السابق)، والنقيب سردار تكين
(مساعد السكرتير العسكري السابق)، والرقيب أول السابق عبد الله أردوغان، مهمة
احتجاز رئيس الأركان أكار.
بناءً على أوامر صادرة عن الانقلابيين
داخل مقر رئاسة الأركان، أصدر القائد السابق للواء المدفعية 58 المتمركز في منطقة
بولاتلي (أنقرة)، العميد مراد أَيغون، تعليمات بإخراج مركبات عسكرية من الثكنة،
بما في ذلك أنظمة إطلاق صواريخ، بهدف السيطرة على النقاط الحيوية في العاصمة.
اظهار أخبار متعلقة
في تلك اللحظات، تم إرسال أول بيان عبر
نظام الرسائل وتوزيع الوثائق في رئاسة الأركان العامة (ميداس)، تحت عنوان
"إنذار بالاستعداد وتحريك الوحدات".
كما أرسل الانقلابيون عبر النظام ذاته
ما يسمى "قائمة تعيينات الأحكام العرفية" إلى مختلف الوحدات العسكرية،
تحمل توقيع كل من محمد بارتيغوش وأرسين تورهان.
وعقب هذا البيان، قام الانقلابيون بنشر
أمر ثانٍ بعنوان "تحرك المركبات القتالية المدرعة"، يدعون فيه الوحدات
إلى احتلال تقاطعات الطرق الحيوية والمؤسسات الحكومية في المدن.
تدفق الرسائل
واستمر تدفق الرسائل عبر نظام (ميداس)،
حتى وصل في الساعة 21:53 أمر يدعو جميع العسكريين خارج الثكنات إلى العودة
والانضمام إلى وحداتهم. وبناءً على هذا الأمر، بدأ الانقلابيون تحركاتهم
الميدانية، وسيطروا على مركز تنسيق الكوارث في منطقة كاغتخانة، والذي يُعرف
بـ"عين إسطنبول التي ترى كل شيء".
وفي مقر رئاسة الأركان، قُتل الرقيب
بولند آيدِن، الحارس الشخصي لقائد القوات البرية الجنرال صالح زكي جولاق، على يد
الانقلابيين، ليسجل رسميًا كأول قتيل في ليلة 15 يوليو.
وفي وقت لاحق، أقلعت طائرات "إف
16" من قاعدة أكنجي وبدأت التحليق على ارتفاع منخفض فوق العاصمة أنقرة، ما
تسبب في حالة من الذعر بين السكان.
وفي الساعة 22:28، بدأت القنوات
الإخبارية بث صور للتحركات العسكرية، وأعلنت بشكل عاجل أن جنودًا أغلقوا جسري البوسفور
ومحمد الفاتح في إسطنبول وأوقفوا حركة المرور.
وفي الساعة 23:02، خرج رئيس الوزراء
آنذاك، بن علي يلدريم، في مداخلة هاتفية على قناة "إن تي في" (NTV) المحلية في تركيا، قائلًا: "الحكومة التي تمثل الشعب لا تزال في
موقعها وتقوم بواجبها. من أقدم على هذا التمرد، من ارتكب هذا الجنون، من انخرط في
هذا الفعل غير القانوني، سيدفع الثمن".
اظهار أخبار متعلقة
وبعد ثلاث دقائق فقط، عند الساعة 23:05،
أعلنت النيابة العامة في أنقرة فتح أول تحقيق رسمي بخصوص المحاولة الانقلابية.
وفي الأثناء، شن طيارون انقلابيون هجوما
على رئاسة قسم الطيران التابع للمديرية العامة للأمن في منطقة غولباشي بأنقرة، ثم
استهدفوا مقر قيادة العمليات الخاصة.
كما فتحت مروحيات يسيطر عليها
الانقلابيون النار على مقر جهاز الاستخبارات التركية في منطقة يني محلة بأنقرة.
بيان الانقلاب
وفي خطوة تصعيدية أخرى، اقتحم الرائد
المتقاعد أوميت كنجر مبنى مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركية "تي آر تي"،
وأجبر إحدى المذيعات على قراءة بيان الانقلاب أمام الكاميرات.
وعند الساعة 00:24، أجرى الرئيس رجب طيب
أردوغان مداخلة مباشرة على قناة "سي إن إن تورك" (CNN Türk) المحلية،
وجّه خلالها نداءً تاريخيًا إلى الشعب التركي، شكّل نقطة تحول في سير محاولة
الانقلاب.
وقال أردوغان في كلمته: "أدعو
شعبنا للنزول إلى الساحات".
وفي تلك الأثناء، أطلق الانقلابيون
النار من مروحية على مواطنين تجمعوا أمام مقر قيادة الدرك العامة في أنقرة
للاحتجاج على المحاولة الانقلابية، ما أدى إلى مقتل 9 مدنيين وإصابة عشرات آخرين.
وعند الساعة 00:56، قصف الطياران
الانقلابيان محمد يورداقول، وإلهامي أَيغول، مبنى مديرية أمن أنقرة باستخدام طائرة
حربية. وبعد نحو عشر دقائق، نفذ الطيار الانقلابي مصطفى أوزكان غارة جديدة على
الموقع ذاته.
وفي تطور لافت، هبطت طائرة عسكرية قادمة
من ديار بكر جنوب شرقي تركيا عند الساعة 01:13 في مطار إيتيمسغوت العسكري بأنقرة،
على متنها الانقلابي اللواء سميح ترزي وعدد من الجنود.
اظهار أخبار متعلقة
عندها، اتصل قائد القوات الخاصة آنذاك
الفريق زكائي أقسقاللي، هاتفياً بمعاونه الرقيب أول عمر خالص دمير، وطلب منه إفشال
خطة ترزي.
وبعد وصول ترزي مع جنوده إلى قيادة
كتيبة الطيران الخاصة في إيتيمسغوت، توجه بمروحية نحو مقر قيادة القوات الخاصة في
غولباشي عند الساعة 02:14، بهدف السيطرة عليه.
وعند مدخل المقر، واجه الرقيب أول عمر
خالص دمير الجنرال الانقلابي وأطلق النار عليه، ما أدى إلى مقتله. إلا أن خالص
دمير قُتل لاحقًا برصاص الجنود الذين قدموا مع ترزي من ديار بكر، مسطرًا بذلك
واحدة من أبرز بطولات تلك الليلة.
وفي الساعات التالية، قُتل 36 مواطنًا
أمام مقر رئاسة الأركان أثناء محاولتهم التصدي للانقلابيين.
وبهدف كسر إرادة الجماهير، لجأ
الانقلابيون إلى استهداف البرلمان التركي وألقى الطياران الانقلابيان حسن حسني
باليقجي وأوغور أوزون أوغلو قنبلة من طائرة "إف 16" على مبنى البرلمان،
ما أدى إلى إصابة 32 شخصًا.
عودة البث التلفزيوني إلى طبيعته
وفي تمام الساعة 03:00، تمكّن مواطنون
من تحرير مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية "تي آر تي" من سيطرة
الانقلابيين، وعاد البث التلفزيوني إلى طبيعته، فيما سلّم العناصر الانقلابيون
أنفسهم للشرطة.
وفي محاولة جديدة لقطع البث الإعلامي،
ألقى الطيار الانقلابي حسين تورك أربع قنابل على منشآت "توركسات" للبث
الفضائي بين الساعة 03:14 و03:19.
ومع استمرار الساعات الحرجة، بدأ
المواطنون يتدفقون بأعداد كبيرة إلى الساحات والمؤسسات الحيوية في مختلف المدن،
تلبية لنداء الرئيس أردوغان.
وفي إسطنبول، تمكنت وحدات الشرطة الخاصة
من السيطرة على برج المراقبة في مطار أتاتورك، والذي سيطر عليه الانقلابيون. وبعد
ذلك، هبطت طائرة الرئاسة "آتا" (ATA) التي كانت تقل أردوغان في المطار، حيث كان في استقباله آلاف
المواطنين.
وفيما كانت هذه التطورات تجري في
إسطنبول، تعرض مبنى البرلمان لهجوم جديد. فقد ألقى الطيار الانقلابي حسين تورك
قنبلتين على مبنى البرلمان عند الساعة 03:24 و03:25 باستخدام طائرة "إف 16".
ومع استمرار مقاومة المواطنين في
الشوارع، والجنود الوطنيين داخل الثكنات، أصدرت النيابة العامة في أنقرة عند
الساعة 04:00 قرارًا باعتقال القضاة والمدعين العامين المرتبطين بتنظيم
"غولن" الإرهابي، وكل من ثبتت مشاركته في محاولة الانقلاب.
وعند الساعة 06:19 صباحا، ألقى الملازم
أول الطيار الانقلابي مسلم ماجد، قنبلتين عند مفترق الطرق المؤدي إلى مجمع رئاسة
الجمهورية ما أسفر عن مقتل 15 مواطنا وإصابة 7 آخرين.
اظهار أخبار متعلقة
وفي قيادة الدرك العامة، أقدم
الانقلابيون على إخراج رئيس إدارة مكافحة الإرهاب في المديرية العامة للأمن،
تورغوت أصلان، ومرافقه حسن غلهان من المبنى وهم مقيّدو الأيدي ومعصوبو الأعين، ثم
أطلق العقيد الانقلابي أركان أوكتم النار على رأسيهما. أدى الاعتداء إلى إصابة
أصلان بجروح بالغة، فيما قُتل غلهان في مكان الحادث.
من جهته، منح رئيس الوزراء بن علي
يلدريم، قائد القوات الجوية الفريق أول ضياء كمال قاضي أوغلو، صلاحية إسقاط
الطائرات العسكرية التي كانت تحت سيطرة الانقلابيين.
وبعد إدراكهم
فشل المحاولة، سلّم
الانقلابيون أنفسهم على جسر البوسفور في إسطنبول.
وعند الساعة 08:26، نُقل رئيس هيئة
الأركان العامة خلوصي أكار، الذي كان محتجزًا لدى الانقلابيين، من قاعدة أكينجي
الجوية إلى قصر جانقايا في أنقرة بواسطة مروحية.
وبتوجيه من الرئيس أردوغان ووزير الدفاع
فكري إيشيق، تم قصف المدرج الرئيسي في قاعدة أقينجي الجوية لمنع الطائرات
الانقلابية من الإقلاع.
وفي الساعة 12:57 ظهرًا، عقد يلدريم
مؤتمرًا صحفيًا في قصر جانقايا إلى جانب إيشيق وأكار، أعلن فيه السيطرة الكاملة
على المحاولة الانقلابية، ليتم إحباطها في عموم البلاد خلال نحو 21 ساعة.
وجرى السيطرة على المحاولة الانقلابية
التي بدأت في 15 يوليو 2016، فيما وثّقت السجلات مقتل 253 شخصا من عسكرين ومدنيين
خلال الانقلاب الفاشل.