ملفات وتقارير

8 أشهر بعد سقوط الأسد.. السوريون حائرون بين الحنين لوطن جريح ومستقبل المهجر

عاد من ألمانيا إلى سوريا أربعة آلاف شخص فقط حتى نهاية حزيران / يونيو - الأناضول
عاد من ألمانيا إلى سوريا أربعة آلاف شخص فقط حتى نهاية حزيران / يونيو - الأناضول
رغم مرور ثمانية أشهر على سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد في كانون الأول / ديسمبر 2024، ما تزال عودة السوريين من المهجر، خصوصا في ألمانيا، محدودة للغاية، وسط حيرة متزايدة بشأن مستقبلهم بين وطن أنهكته الحروب وعقود الاستبداد، وبلاد لجوء تواجه فيها الجاليات السورية تحديات الاندماج والمستقبل الغامض.

بحسب تقرير أعدته القناة الألمانية العامة NDR، لم يعد من ألمانيا إلى سوريا سوى أربعة آلاف شخص فقط حتى نهاية حزيران / يونيو الماضي، أي ما يعادل 250 شخصا شهريا من أصل ما يقارب مليون لاجئ سوري مقيم في ألمانيا.

ويكشف الرقم المتواضع عن حجم التردد الذي يسيطر على اللاجئين السوريين خاصة أن العودة لا تزال محفوفة بمخاطر سياسية وأمنية واقتصادية.

ومن جانبها قدرت الأمم المتحدة أعداد العائدين إلى سوريا من مختلف الدول منذ 2011 بنحو 600 ألف شخص، أغلبهم من الدول المجاورة كتركيا ولبنان والأردن، بينما تتوقع المنظمة أن يصل عدد العائدين بحلول نهاية 2026 إلى نحو 2.5 مليون، رغم أن الظروف في الداخل السوري ما تزال غير مستقرة.

اظهار أخبار متعلقة


عودة محدودة رغم البرامج الرسمية
أطلقت الحكومة الألمانية، بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة، عدة برامج لدعم "العودة الطوعية"، مثل برنامج REAG وبرنامج GARP، حيث يحصل العائدون على تكاليف سفر ومنح مالية للمساعدة على بدء حياة جديدة، إضافة إلى تغطية طبية مؤقتة، ورغم هذه الحوافز، لم يستفد من هذه البرامج سوى 1337 شخصا فقط حتى تموز / يوليو الماضي.

ويعد اللافت للنظر أن معظم من غادروا ألمانيا عادوا من دون أي دعم رسمي، ما يعكس إما رغبة في استقلالية القرار، أو فقدان الثقة في جدوى هذه المساعدات، أو ببساطة لأن دوافع العودة كانت شخصية بحتة.

قلق متصاعد داخل ألمانيا
ويتزايد النقاش في الداخل الألماني، حول مستقبل السوريين، فقد أظهر استطلاع لمعهد infratest dimap أن 52 بالمئة من الألمان يؤيدون عودة السوريين الذين لم يندمجوا بشكل جيد، بينما يعتقد ربع المشاركين في الاستطلاع أنه ينبغي العمل على عودة السوريين بشكل عام بغض النظر عن مستوى اندماجهم.

في المقابل، يعيش اللاجئون السوريون إحساسا متزايدا بأنهم لم يعودوا موضع ترحيب كما كانوا في 2015، خصوصا مع صعود حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AfD) اليميني المتطرف الذي يضع عودة الأجانب في قلب أجندته.

اظهار أخبار متعلقة


بين واقعين متناقضين
ومن ناحية أخرى تبرز القصص الإنسانية تناقضات بوضوح إذ قالت إحدى الفتيات السوريات ممن يعشن في ميونيخ منذ عشر سنوات، إنها لا ترى مستقبلا في العودة: "بيوتنا مدمرة، وأطفالنا يدرسون هنا.. إلى أين نعود؟".

في المقابل، خاض الصحفي السوري سليمان تدمري تجربة العودة إلى مدينته حمص، لكنه لم يستطع الاستمرار سوى أسابيع قليلة قبل أن يشتاق إلى حياته في هامبورغ، قائلا: "لدي جذور هنا، لست مستعدا لاقتلاعها مرة أخرى".

ومن ناحية أخرى يرى البعض أن الوضع السياسي في ألمانيا هو حجر الأساس في اتخاذ اقراره بالبقاء أو العودة حيث قد يجد البعض نفسه مضطرا للعودة إلى سوريا حال تغير المزاج السياسي الألماني لكن ليس عن قناعة، بل هروبا من واقع جديد".

سوريا.. وطن ينتظر من يعود
رغم انتهاء حقبة الأسد، فإن سوريا ما تزال تواجه تحديات كبرى، من انهيار البنية التحتية، إلى استمرار العنف الطائفي كما حدث في السويداء حيث أودى الاشتباكات بحياة عشرات الأشخاص.

في تصريحات خاصة، لـ "عربي21" أكد البرلماني الألماني السابق جمال قارصلي أن عودة السوريين من دول اللجوء والمهجر إلى وطنهم مرهونة بوجود استقرار حقيقي وأوضاع آمنة تضمن لهم الحرية والكرامة.

وقال قارصلي إن الأسباب التي دفعت ملايين السوريين إلى مغادرة بلدهم كانت مرتبطة في الأساس بالحفاظ على حياتهم وحريتهم وكرامتهم، مضيفا: "إذا توفرت هذه العوامل في سوريا الجديدة، بالتأكيد سيعود عدد كبير منهم، لكنني لا أعتقد أن نسبة العائدين ستتجاوز 50 بالمئة، فيما سيستقر النصف الآخر في بلدان المهجر سواء في ألمانيا أو غيرها".

وأشار إلى أن سوريا ما زالت تمر بمرحلة انتقالية غير مستقرة، مستشهدا بالأحداث الجارية في الجنوب السوري، مؤكدا أن الاستقرار الشامل سيظل الشرط الأساسي لعودة أعداد أكبر من اللاجئين.

وأضاف البرلماني الألماني السابق: "حتى الآن عاد نحو 800 ألف سوري، لكن صعوبة العودة مرتبطة بعوامل عدة، منها التعليم، فالكثير من أبناء اللاجئين أوشكت دراستهم على الانتهاء في بلدان المهجر، ومن الصعب أن يقطعوا هذه المرحلة في منتصفها".

اظهار أخبار متعلقة


وأوضح أن الخلافات حول العودة لا تقتصر على المجتمع فقط، بل تمتد إلى داخل الأسرة الواحدة، حيث يفضل بعض أفرادها العودة بينما يتمسك آخرون بالبقاء، خاصة الأبناء الذين نشأوا في دول المهجر واعتادوا على أنماط حياة جديدة.

وفي سياق متصل، أشار قارصلي إلى أن نجاحات السوريين في دول المهجر مثل ألمانيا وتركيا ساهمت في عزوف البعض عن فكرة العودة، قائلاً: "هناك من اندمج وحقق نجاحات مهنية وتعليمية، ولا يرغب في البدء من الصفر من جديد"، لافتا إلى أن الضغوط السياسية، خصوصا من قبل حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف، تحاول الترويج بأن سوريا باتت آمنة بعد سقوط النظام.

لكن قارصلي شدد على أن مفهوم الأمن لا يقتصر على غياب الحرب فقط، بل يتطلب أيضا أمنا غذائيا واستقرارا اقتصاديا واجتماعيا وحياة كريمة شاملة.

وختم البرلماني السابق تصريحاته بالتأكيد على أن السوريين الذين يختارون البقاء في بلدان المهجر لن يكونوا عبئا، بل سيلعبون دورا مهما في المستقبل كـ "جسور للتواصل والتعاون التجاري والثقافي بين سوريا وبلاد المهجر"، معتبرا أنهم أصبحوا أبناء للبلدين في آن واحد، خاصة من حصلوا على جنسيات جديدة.
التعليقات (0)