تقارير

أسرى تحت آلة التعذيب.. كيف تحولت السجون الإسرائيلية إلى مسرح للوحشية؟

تركزت الرسالة على ضرورة الانتقال من الانتقاد الرمزي إلى خطوات عملية ملموسة، بما في ذلك ضمان وصول الأطباء والمعدات الطبية واللجان الدولية إلى المناطق المحتلة.
تركزت الرسالة على ضرورة الانتقال من الانتقاد الرمزي إلى خطوات عملية ملموسة، بما في ذلك ضمان وصول الأطباء والمعدات الطبية واللجان الدولية إلى المناطق المحتلة.
عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا مساء الإثنين، 20 أكتوبر/تشرين الأول 2025، ندوة تحت عنوان: "جثامين المعتقلين ورسائل التعذيب: ماذا يحدث في السجون الإسرائيلية؟"، بهدف تسليط الضوء على الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية، والتي تشمل التعذيب الجسدي والنفسي، العنف الجنسي، الإهمال الطبي، وممارسات طمس الأدلة، مع استمرار الإفلات من العقاب رغم وقف إطلاق النار المعلن.

شارك في الندوة خبراء وشهود دوليون من بينهم: الدكتور فرانك رومانو، الناشط في حقوق الإنسان وعضو أسطول الحرية إلى غزة، البروفيسور دان كوفاليك، أستاذ جامعي ومحامٍ أمريكي في حقوق الإنسان، المحامية التركية فيليز دير، المحامي البريطاني وقاضٍ سابق السير جيفري نايس، والدكتور أحمد المخللاتي، رئيس قسم التجميل في مستشفى الشفاء، والممرضة الفلسطينية الأمريكية لانا أبوغربية، والدكتور مارك بيرلمتر، جراح يد أمريكي وناشط في حقوق الإنسان.

الانتهاكات المنهجية والمعاناة المستمرة

استهلت الدكتورة فيليز دير عرضها بالإشارة إلى الجهود الإنسانية التركية بعد وقف إطلاق النار في غزة، مؤكدة نقل أكثر من نصف مليون طن مساعدات عبر معبر كرم أبو سليم، لكنها أشارت إلى استمرار إسرائيل في انتهاك الهدنة، مثل إغلاق معبر رفح، وقتل العشرات، وإعادة 120 جثة عليها آثار التعذيب والعنف، مع وصفها بأنها "أدلة على التعذيب والعقاب الجماعي".

كما أكدت دير أن نحو 11,056 فلسطينيًا لا يزالون محتجزين في السجون الإسرائيلية، منهم 3,500 رهن الاعتقال الإداري دون محاكمة، مشيرة إلى أن الرفات تحمل علامات تشير إلى احتجازهم في قاعدة سدي تيمان العسكرية، حيث تتكرر حالات سوء المعاملة والتعذيب، وهو ما يشير إلى سياسة طويلة الأمد لعزل غزة عن باقي فلسطين.

في إطار التحليل القانوني، شددت دير على أن هذه الممارسات تقع ضمن تعريف الإبادة الجماعية وفق اتفاقية 1948 وتشكل جرائم ضد الإنسانية بموجب نظام روما الأساسي، معتبرةً أن فرض ظروف معيشية قاسية وحرمان من الغذاء والماء والمأوى يعادل تدميرًا ممنهجًا للشعب الفلسطيني.

شهادات صادمة عن التعذيب الجسدي والنفسي

روى الدكتور مارك بيرلمتر شهادات مروعة عن الجراحين والممرضين الذين احتُجزوا أثناء أداء مهامهم الطبية، وتعرضوا للتعذيب الشديد، بما في ذلك الصعق بالكهرباء، العنف الجنسي، الحرمان من الطعام، والتهديد المباشر بحياة أفراد أسرهم. وأكد أن التعذيب النفسي الممارس ضد المعتقلين تجاوز في شدته كل الإصابات الجسدية، مع وجود دلائل على دفن بعض الأشخاص أحياء في مقابر جماعية، بينهم أطفال.

من جهته، تحدث الدكتور أحمد المخللاتي عن نهب جثث الفلسطينيين من المستشفيات خلال الحصار، مؤكداً محدودية قدرة النظام الصحي في غزة على التوثيق والتحقيق الجنائي، وضرورة دعم الوزارة بمعدات الحمض النووي والموارد القانونية الدولية لتحديد هوية الضحايا وتوثيق الانتهاكات.

الممرضة لانا أبوغربية أكدت أن المعتقلين الفلسطينيين الذين أفرج عنهم كانوا ضحايا تعذيب جسدي ونفسي شديد، ووصفوا بالروائح النفسية لتجاربهم الصادمة، مثل العيون الغائرة، وفقدان الثقة في العالم، مؤكدة أن هذه الانتهاكات ليست إجراءات أمنية بل جرائم وحشية.

الإطار القانوني والاحتجاز التعسفي

ناقش الدكتور فرانك رومانو الإطار القانوني الإسرائيلي، بما في ذلك تعديل قانون المقاتلين غير الشرعيين لعام 2002، الذي يُستخدم لاحتجاز الفلسطينيين لأجل غير محدد تحت تصنيف "مقاتلين غير شرعيين"، مستثنيًا هؤلاء من الحماية القانونية للاتفاقيات الدولية، وموضحًا أن هذا يرقى إلى مستوى الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري.

أما البروفيسور دان كوفاليك، فقد وصف الوضع الفلسطيني بأنه "القضية الأخلاقية في عصرنا"، مؤكداً أن الفلسطينيين المحتجزين يعاملون كالرهائن، مع استخدام الاغتصاب والتعذيب المنهجي كأسلحة للقضاء على أي قيادة فلسطينية محتملة، محذرًا من أن الإفلات من العقاب الدولي يشجع على استمرار هذه الانتهاكات.

جدلية سرقة الأعضاء والتحديات القانونية

تطرقت الندوة أيضًا إلى ادعاءات متعلقة باستئصال أعضاء الفلسطينيين، حيث أكدت الشهادات على مشاهد جرائم حرب وحشية، دون وجود دليل قاطع على سرقة الأعضاء، مع إبراز السوابق التاريخية المثيرة للقلق في إسرائيل. وذكر السير جيفري نايس أن هذه الادعاءات تتطلب تحقيقًا دقيقًا، مع ضرورة جمع أدلة قوية قبل إصدار أي حكم.

دعوة للعمل الدولي العاجل

اختتمت الندوة بدعوة صريحة إلى المجتمع الدولي والهيئات الحقوقية لممارسة الضغط على إسرائيل، ومساندة وزارة الصحة في غزة، وضمان مساءلة المسؤولين الإسرائيليين أمام المحاكم الدولية عن جرائم الحرب والانتهاكات ضد الإنسانية. وتركزت الرسالة على ضرورة الانتقال من الانتقاد الرمزي إلى خطوات عملية ملموسة، بما في ذلك ضمان وصول الأطباء والمعدات الطبية واللجان الدولية إلى المناطق المحتلة.

الندوة لم تكن مجرد سرد للشهادات المؤلمة، بل دعوة صريحة للتفكير الأخلاقي والقانوني حول الانتهاكات المستمرة في فلسطين، وتحذيرًا من أن الوقف المؤقت لإطلاق النار لا يعني نهاية الانتهاكات، بل مجرد فرصة لتوثيق الجرائم وضمان مساءلة المسؤولين عنها. كما أبرزت كيف أن النظام الدولي غالبًا ما يفشل في حماية المدنيين، ما يجعل المبادرات الحقوقية والضغط الدولي المستمر أمرًا حتميًا للحفاظ على كرامة الإنسانية.
التعليقات (0)

خبر عاجل