في شهادة سياسية مطولة تحمل بعدًا وجدانيًا
وإنسانيًا، عاد الرئيس التونسي الأسبق محمد المنصف المرزوقي إلى موقفه من الثورة
السورية، مؤكدًا أنه لم يندم يومًا على الوقوف مع الشعب السوري ضد نظام وصفه
بـ"المجرم والفاسد والعميل"، في إشارة إلى نظام بشار الأسد.
المرزوقي كتب تدوينة مؤثرة بعنوان "عن
سوريا الحبيبة التي تحترق"، عبّر فيها عن خيبة أمله من مسار الأحداث، وعن
صدمته من "مخططات التفتيت الطائفية" التي قال إن "يد إسرائيل لا
تخفى فيها"، موجّهًا نداءً مزدوجًا لكل من الشعب والقيادة السورية.
"فخور بقطع
العلاقات مع نظام مجرم.. ورفضت تسفير الشباب إلى سوريا"
أكد المرزوقي أنه فخور بقراره قطع العلاقات
الدبلوماسية مع نظام بشار الأسد خلال فترة رئاسته (2011 ـ 2014)، واصفًا إياه
بـ"السفاح الفاسد"، وأضاف: "لم أندم يومًا
على موقفي، بل دفعت الثمن غاليًا مقابل الوقوف إلى جانب الثورة السورية في كل
المحافل، ولم أتراجع."
كما أوضح أنه لم يكن هو من دعا لاجتماع
أصدقاء سوريا سنة 2012، بل كان ذلك مبرمجًا قبل توليه رئاسة الجمهورية، مؤكدًا أنه
رفض تسليح المعارضة حينها، وطالب روسيا باستقبال الأسد، وهو ما تم "لكن بأي
ثمن"، حسب تعبيره.
وكشف المرزوقي أنه منع التسفير إلى بؤر
التوتر، وطلب من الرئيس التركي آنذاك عبد الله غول "عدم السماح لأي تونسي
يشتبه في نيته التوجه إلى سوريا بدخول تركيا".
عن القوميين: "بقايا ولاء للأنظمة
القاتلة.. وليس للأمة"
وانتقد المرزوقي بشدة مواقف بعض القوميين
العرب من الثورة السورية، واصفًا إياهم بـ"بقايا عروبة الستينات
والسبعينات"، مشيرًا إلى أنهم يوالون أنظمة "ثورية" قتلت شعوبها،
بينما شدد على أن عروبته تعني الوفاء للأمة لا للحكام.
وقال بسخرية لاذعة: "فرحت وهللت
لسقوط نظام 'نيرون العرب'.. وسبحان من رأى في جبان مثله بطلاً قومياً يدافع عنه من
يملك الحد الأدنى من الإنسانية."
خيبة أمل من القيادة الجديدة وتحذير من
الاحتواء
عبّر المرزوقي عن خيبة أمله من أداء القيادة
السورية الجديدة، دون أن يسميها مباشرة، قائلاً إن خياراتها الداخلية والخارجية
"لا تطمئن"، وإنها واقعة بين خيارين أحلاهما مرّ: الاحتواء أو التدمير.
وأضاف بتحذير صريح: "اختيار
الاحتواء لا يعني إلغاء التدمير بل تأخيره فقط.. الديمقراطية وحدها القادرة على
توحيد السوريين لمواجهة هذا الخطر."
"صدمت بأحداث
الساحل والآن السويداء.. والذئاب تتربص"
قال المرزوقي إنه صُدم بمجزرة الساحل التي
راح ضحيتها علويون، وأدانها باسم المجلس العربي، مطالبًا بتحقيق جدي. كما عبّر عن
أسفه لما يجري في السويداء ضد الطائفة الدرزية، مشيرًا إلى تسارع مخطط التفتيت
الطائفي الذي "يتحرك بأخطر ما كان يتوقع".
وأكد أن هذا المخطط تظهر فيه يد إسرائيل
بوضوح، داعيًا السوريين إلى إفشاله بوحدتهم، مضيفًا: "الذئاب تتربص
بكم.. لا تعطوهم لحمكم مجانًا."
نداء إلى الشعب والقيادة: "ارفضوا
الطائفية.. وامنعوا الانتقام"
وجه المرزوقي نداءً "من محب"
للشعب السوري، طالبهم فيه برفض كل خطاب طائفي والانتهاكات أيّاً كان مصدرها، ودعا
إلى التضامن بين مكونات الشعب السوري لحماية ما تبقى من وطن دمرته الحرب.
كما خاطب القيادة السورية مطالبًا
بـ"إيقاف ومعاقبة كل اعتداء على أي مكون من مكونات الشعب السوري"،
قائلاً: "وحدها
الديمقراطية قادرة على أن تجمع حولكم الجميع، وتقف في وجه مشاريع التفتيت والتدمير."
"كنت أحلم
بالمشي في سوق الحميدية.. والصلاة في المسجد الأموي"
في ختام تدوينته، أعرب المرزوقي عن حلمه
الذي لم يتحقق حتى الآن، وهو "المشي في سوق الحميدية والصلاة في المسجد
الأموي"، قائلاً: "كم كنت أودّ
أن أحضر بهجة تحرير دمشق، لكن للأسف لم يتحقق الحلم بعد."
وختم بنداء مؤثر: "حمى الله سوريا من
الذئاب المحيطة بها ومن سوء تقديرات أبنائها.. ولا بد لليل أن ينجلي."