سياسة عربية

"‎شيعة يقاطعون".. ما فرص سُنة العراق بحصد أغلبية برلمانية؟

بغداد من أكثر المناطق التي يمكن تحقق نتائج مختلفة فيها عن بقية مناطق الثقل- جيتي
في ظل اجتياح حملة "مقاطعون" للانتخابات البرلمانية، التي يقودها التيار الصدري، المناطق ذات الغالبية الشيعية في العراق، فإن ‏قوى "الإطار التنسيقي" الشيعي الحاكم، تحشد للمشاركة فيها مستعينة بعدد من المعممين، وبفتاوى قديمة للمرجعية الدينية في النجف‎.‎

أطراف الإطار الحاكم تحذر من أن مقاطعة الشيعة للانتخابات من شأنها أن تفقدهم الأغلبية البرلمانية التي تمكنهم تشكيل الحكومة، ‏وإعادة "البعثيين" للحكم، أو تذهب للمكون السني الذي تحثه قياداته على مشاركة انتخابية فاعلة في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل‎.‎

الصدر يرد

وعلى وقع هذه التحذيرات، أصدر صالح محمد العراقي، وزير زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الأحد، بيانا مطولا نشره على ‏منصة "أكس"، أوضح فيه الأسباب التي دفعتهم لمقاطعة العملية السياسية والانتخابات، مقدما إجابات مفصلة للمتسائلين عن قرار ‏المقاطعة‎.‎


وبرر البيان، قرار المقاطعة بأنها ليست سابقة، وأن أطرافا أخرى (لم يسمها) قاطعت في الماضي نواب شيعة، وأن التيار جرب ‏الإصلاح من داخل العملية السياسية لكن دون جدوى، ما دفعه لتجربة الإصلاح من خارجها‎.‎

وطرح وزير الصدر تساؤلات حول كيفية إعطاء الأصوات لمن يتهمون التيار بأجندات خارجية، أو من كشفت تسريبات أنهم يريدون ‏قتله، أو من تسبب في تفكيك "مصفى بيجي"، في إشارة منه بالأولى إلى نوري المالكي، وفي الثانية إلى قيس الخزعلي‎.‎

وفي معرض رده على من يرى أن المقاطعة لا جدوى منها، قال وزير الصدر إن "وجود كتلة للتيار الشيعي الوطني (تيار الصدر) قد ‏يعطل تشكيل الحكومة ويؤدي إلى استمرار الخلافات وأعمال العنف‎".‎

ورفض البيان فكرة أن البديل للمقاطعة يعيد البعث للحكم، متهما خصومه الشيعة بإيواء البعثيين ضمن صفوفهم، راهنا عودته ‏للانتخابات بتغيير الوجوه الحالية بالكامل، لإنقاذ العراق من الفساد، واستعادة الخدمات المفقودة، وتأمين الحدود، ووضع حد للتدخلات ‏الخارجية‎.‎

يأتي رد الصدر، بعد يوم من تحذير رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، العراقيين من مقاطعة الانتخابات البرلمانية التي ‏ستقام في 11 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، معتبرا أن عدم المشاركة يقدم هدية للفاسدين وكل من له أجندة لا تخدم البلد‎.‎

وشدد على ضرورة المشاركة في الانتخابات القادمة بوعي لضمان دقة الاختيار التي تعني قطع نصف الطريق نحو ما يبتغيه ‏العراقيون من أمن واستقرار وتنمية وتجاوز أخطاء المراحل الماضية‎.‎

وقبل أشهر عدة، دعا رئيس ائتلاف "دولة القانون" نوري المالكي، زعيم التيار مقتدى الصدر إلى أن يعود عن قراره بالمقاطعة، وأن ‏يشارك في الانتخابات حفاظاً على التوازن الطائفي في البرلمان‎.‎

وفي المقابل، يؤكد السياسي المقرب من ائتلاف "دولة القانون" عادل المانع، إن القوى الشيعية عدد نوابها يصل من 180 إلى 185 ‏نائبا، وإذا حصل السنة على أغلبية في بغداد، فإن الشيعة يفقدون 4 نواب في أكثر الأحوال‎.‎

هدفان اثنان

وعن حقيقة حصول السنة على الأغلبية في حال اتسعت رقعة المقاطعة الشيعية، قال الكاتب والمحلل السياسي، أياد العنبر، إنه "في ‏كل مرحلة انتخابات يعاد مثل هذا السيناريو سواء شارك التيار الصدري أم لا، لكن هذه المرة تطلق مثل هذه الدعوات لتحقيق هدفين ‏اثنين‎".

وأوضح العنبر لـ"عربي21" أن "الهدف الأول هو ذريعة سياسية من أجل تحشيد جمهورهم الانتخابي عبر إثارة مخاوف طائفية، ‏وأخرى تتعلق بخسران الأغلبية. الأمر الثاني، يراد بها تحميل التيار الصدري مسألة إضعاف الشيعة أمام المكونات الأخرى‎".‎

أما بلغة الأرقام، يرى العنبر، أنه "لا يمكن أن تنافس شخصية سنية أو عنوان سني في كربلاء والنجف والعمارة والمثنى والديوانية ‏والناصرية، وهذه مدن الثقل الشيعي، ولكن في بغداد ربما يؤثر هذا الموضوع‎".

وتابع: "السجالات الجارية حاليا تعبر عن نوع من العجز في تقديم مشروع سياسي حقيقي، ولذلك تبقى تدور في المخاوف من خسارة ‏الأغلبية البرلمانية، رغم أنه لا يمكن خسارتها، وإذا حصل هذا الأمر فإن هذه القوى لا تمثل هذه الأغلبية‎".‎

وأكد العنبر أن "ما يجري هو إشكالية في الخطاب الانتخابي الذي لا يزال عاجز عن طرح مشروع جديد للمشاركة الانتخابية، وأن ‏القوى السياسية لا تريد تقديم شيء جديد يحفز الشارع للانتخاب، وحتى خصوم الطبقة الحاكمة لا يستطيعون تقديم نموذج قادر على ‏إقناع الجمهور للتحشيد الانتخابي‎".‎

وبحسب الخبير العراقي، فإن "الأوزان الانتخابية لا تتغير، وهناك حصة تتمثل بنحو 180 برلماني شيعي سيصل إلى البرلمان، وهذه ‏لا يمكن التنافس عليها، وأن أي رقم تحصل عليه القوى السنية، فإنه سيكون محصورا في مناطقهم وليس من المناطق ذات الغالبية ‏الشيعية‎".‎

وأكد العنبر أن "ما يطرح اليوم هو استثمار في مخاوف، ومن أجل إدامة زخم جمهورهم، وأن المستفيد من المقاطعة في الانتخابات ‏أساسا هي الأحزاب الحاكمة، لأن مؤيديهم فقط من سيخرج لانتخابهم‎".‎

بالنتيجة، توصل العنبر، إلى أن "هذه القوى لا تدرك أن مشروعية العملية الانتخابية تبقى على المحك رغم أنه لا يوجد في القانون ‏نسبة للمشاركة، لكن من ناحية القبول لدى الجمهور فإنهم لا يمثلونهم‎".‎

‎"‎فرصة مواتية‎"‎

وعلى صعيد السني، قال ظافر العاني النائب السابق والمرشح الحالي عن تحالف "تقدم" إنه "ليس من ضمن أهداف القوى السنية ‏المزاحمة على موضوع الأغلبية البرلمانية، ولا وارد في ذهنها إقصاء الطرف الآخر من الحكم، لأن الأمر ليس منطقيا ولا من ‏الأهداف لدى السنة‎".‎

وأضاف العاني لـ"عربي21" أن "كل ما يريده السنة، هو أن تكون في المرحلة المقبلة حكومة وطنية بحق، تنطوي على القوى ‏الرئيسة الممثلة للمكونات الأساسية للمجتمع العراقي‎".‎

وأردف، قائلا: "الحديث عن أن السنة سيقفزون للسلطة ويقصون شركاء الوطن عن الحكم، فإن الهدف منه- عدا زيادة الفرقة بين أبناء ‏الشعب- خلق مناخ أزموي يصاحب الانتخابات، للاعتقاد بأن ذلك سيدفع جمهورهم لمشاركة أكبر، وتعويض الفراغ الذي قد تتركه ‏مقاطعة الصدريين‎".‎

وأشار إلى أن "هذا الكلام إذا يحصل في بغداد، فإنه لا يمكن أن يكون في المحافظات ذات الأغلبية الشيعية أو كردية أو ربما سنية في ‏عدد من المحافظات، وإذا حصل تغيير في العاصمة فإنه سيكون بشكل جزئي ولا يؤثر على شكل الخارطة الأساس‎".‎

وتابع: "عدد من قيادات الشيعة موجودة مكاتبها وجمهورها في مناطق السنة بالعاصمة بغداد، لكن العكس غير صحيح، لأن القوى ‏السنية لا تمتلك هذا الشيء في المدن ذات الغالبية الشيعية‎".‎

وأكد العاني أنه " في حال كانت مشاركة فاعلة وقوية للسنة، فإنه لن يتجاوز عدد مقاعدهم ما نسبته الثلث من مجموع مقاعد البرلمان ‏البالغ عددها 329 مقعدا، لأن أساسا القانون الانتخابي جعل المحافظة الواحدة دائرة انتخابية‎".‎

ولفت إلى أن "المكون السني ليس لديهم أعداد تحصل على مقاعد في العمارة والناصرية ذات الغالبية الشيعية، فضلا عن المضايقات ‏التي تحصل بحقهم، إضافة إلى أن مشاركتهم هناك مصحوبة بقلق أمني‎".‎

وطمأن العاني القوى الشيعية من أن "مسألة الحصول على الأغلبية والمنافسة على تولي السلطة في البلد ليست من طموح القوى ‏السنية، إضافة إلى أن هذا الأمر لا وجود له في أذهانهم من الأساس‎".‎

وينشط قادة القوائم السنية في حث أبناء مناطقهم على المشاركة الفاعلة في الانتخابات البرلمانية وإثبات تمثيلهم الحقيقي خلال المرحلة ‏المقبلة، والتي يؤكد زعيم تحالف "العزم" (السني) مثنى السامرائي، أنه "لن تكون هناك مقاطعة سنية على الإطلاق‎".‎


وكان النائب الحالي عن "العزم" رعد الدهلكي، قد صرّح، أن "الأحزاب السنية تطمح للحصول على 150 مقعدا نيابيا"، مؤكدا أنها "إذا ‏حصلتُ على الأغلبية، فمن حقي أن أطالب بمنصب رئيس الوزراء، وهذا استحقاق شعبي وليس هدية من أحد‎".‎

وأكد الدهلكي خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، استقرار المحافظات السنية وغياب السلاح المنفلت فيها، معتبرا أن "الفرصة مواتية الآن" ‏للسنة ليكون لهم صوت مؤثر في إدارة الدولة خلال المرحلة المقبلة.‏