نشرت صحيفة "هآرتس" مقالا للكاتب تسفي برئيل أكد فيه أن اتفاقية الدفاع المشترك التي وقعتها
السعودية مع باكستان تبدو بمثابة استعراض للقوة بعد فشل الرياض في التأثير على مسار السياسة في الشرق الأوسط أو إقناع الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب بالاعتراف بدولة فلسطينية.
وقال برئيل إن ولي العهد السعودي محمد
بن سلمان يمكنه الادعاء بتحقيق إنجاز دولي استثنائي، إذ اكتسبت مبادرته لتعزيز الاعتراف بفلسطين شرعية إضافية بعد إعلان نحو عشر دول اعترافها بالدولة الفلسطينية.
وأوضح أن هذا النجاح يكشف في الوقت نفسه عن ضعف المملكة، إذ لم ينجح بن سلمان رغم علاقاته الوثيقة مع ترامب في دفعه للاعتراف بدولة فلسطينية أو ثني إسرائيل عن رفضها، ما جعل المبادرة مجرد إعلان نوايا بعيدا عن التنفيذ الفعلي.
وبحسب "هآرتس"، تآكلت قيمة ورقة الضغط السعودية في التطبيع مع إسرائيل بسبب حرب
غزة، بعدما تخلت إسرائيل عن هذه الورقة في إطار رفضها التوصل إلى صيغة متفق عليها لإنهاء الحرب.
وأشارت الصحيفة إلى أن الوضع ازداد سوءا مع توسع رقعة المواجهات، حيث وضعت الهجمات الإسرائيلية على إيران وقطر دول الخليج في مرمى النيران، في وقت تدرك فيه الرياض أن استثماراتها الضخمة في الاقتصاد الأمريكي وضمانها معاملة ودية من ترامب لا تكفي لمنحها تأثيرا على سياسته الخارجية.
وأضاف برئيل أن بن سلمان بدا الزعيم العربي الأكثر إحباطا رغم قدرته على حشد المجتمع الدولي خلف مبادرته لإقامة دولة فلسطينية. واعتبر أن السعودية أظهرت ضعفا في الشرق الأوسط أيضا، إذ لم تتمكن من التأثير في مسار الحرب السورية بخلاف تركيا وقطر اللتين رعتا ميليشيات متمردة أطاحت بالرئيس السوري بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر.
وأوضح أن الرياض أعادت فتح سفارتها في دمشق قبل ثلاثة أشهر من الإطاحة بالأسد، وسعت لإعادته إلى جامعة الدول العربية.
وأشار المقال إلى أن السعوديين فوجئوا بالنجاح السريع للرئيس السوري أحمد الشرع، فسارعوا إلى الاعتراف بحكمه وتقديم الدعم له، إضافة إلى إقناع ترامب بمصافحته رغم تصنيفه السابق، مبينا أن الرياض، إلى جانب قطر، تولت تسوية ديون سوريا لدى البنك الدولي، لكنها بقيت في موقع "ماكينة الصراف الآلي"، بينما تقع مهمة استقرار النظام السوري على عاتق تركيا وقطر والولايات المتحدة.
ولفتت الصحيفة إلى ما وصفته بفشل السعودية في لبنان أيضا، إذ لم تتمكن من الحد من نفوذ إيران أو من تغيير مسار السياسة هناك، ففي عام 2017 حاول بن سلمان إجبار رئيس الوزراء سعد الحريري على إقالة ممثلي حزب الله، فاحتجزه في الرياض لإعلان استقالته، لكن الضغوط الفرنسية أجبرته على إطلاق سراحه، وعاد الحريري إلى بيروت ليتراجع عن استقالته، فيما اعتبر حزب الله وإيران ذلك نصرا.
كما أشار برئيل إلى أن محاولة الرياض، إلى جانب الإمارات والبحرين ومصر، فرض حصار على قطر عام 2017 انتهت بالفشل بعد أن استمر أربع سنوات، وأدى إلى تقوية علاقات الدوحة مع إيران وتركيا وإنشاء تحالف استراتيجي شمل إقامة قواعد عسكرية تركية.
ورأى الكاتب أن السعودية رغم تحالفها الدفاعي الجديد مع باكستان لا تستطيع الانفصال عن المظلة الأمنية الأمريكية، مؤكدا أن اتفاق الرياض مع إسلام آباد، والذي اعتبره بعض المراقبين ردا على هجوم إسرائيلي على قطر أو رسالة ردع لإيران، كان قيد الإعداد منذ فترة طويلة، وبدأت المفاوضات حوله قبل وقت من الهجوم.
وأضاف أن السعودية تدرك أن طموحها النووي سيبقى حبرا على ورق، وأن تحالفها الدفاعي مع الولايات المتحدة الذي كان مطروحا مقابل التطبيع مع إسرائيل انتهى إلى الفشل، ليصبح التحالف مع باكستان مجرد إعلان نوايا.
ولفتت "هآرتس" إلى أن واشنطن لم تصدر أي رد فعل على الاتفاق السعودي الباكستاني، مشيرة إلى تساؤلات حول كيفية تطبيقه إذا اندلع صراع مع الهند، الشريك التجاري الأهم للرياض.
وأكدت أن لجوء السعودية إلى إعلان نوايا علني يعكس محدودية تأثيرها على إدارة ترامب، الذي قد ينصت إلى بن سلمان لكنه يصغي في النهاية إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو.
وذكّر برئيل بأن تجديد العلاقات بين السعودية وإيران عام 2023 بوساطة صينية بعث روحا جديدة في مساعي التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة، وهو ما تراه الرياض ضرورة استراتيجية لحماية الملاحة في الخليج.
ومع ذلك، فشلت السعودية في إقناع طهران بتليين مواقفها أو الحصول على ضمانات من ترامب بعدم شن هجوم، بينما استعانت إيران بدول مثل عُمان وقطر والإمارات ومصر كوسطاء بدلا من السعوديين.
كما أشار إلى أن الرياض تابعت من بعيد هجوم إيران على قاعدة أمريكية في قطر في حزيران/يونيو، وكذلك الهجوم الإسرائيلي الأخير على منزل خليل الحية في الدوحة، من دون أن تتحرك واشنطن كما لم تفعل عند استهداف منشآت أرامكو عام 2019.
وختمت "هآرتس" بالإشارة إلى أن السعودية ورغم إنفاقها مئات المليارات على شراء الأسلحة واستثمارها أكثر من تريليون دولار في الاقتصاد الأمريكي، ستظل مجبرة على التكيف مع اعتبارات واشنطن، معتبرة أن "أدوات الضغط" التي تملكها الرياض محدودة التأثير في ظل انحياز ترامب إلى نتنياهو.