قضايا وآراء

لا نريد الحرب.. ولكن العدو قد يفرضها!

"حتى لو كانت هناك احتمالات قليلة للحرب فينبغي الاستعداد لها"- الرئاسة المصرية (أرشيفية)
فيما يتصاعد التوتر على الحدود المصرية الفلسطينية، اختار المشير السيسي أن يحدد موقفه من دعوات الحرب أمام طلاب وقادة الأكاديمية العسكرية، معلنا أن مصر لن تدخل حربا من أجل إدخال المساعدات إلى غزة، إلا إذا فرضت علينا.

لم يطلب عاقل من مصر الدخول في حرب، فنحن في مصر بالذات جربنا الحروب في 5 جولات سابقة، ونعرف تداعياتها التي نعاني منها حتى الآن، كما أن إدخال المساعدات إلى غزة لا يحتاج إلى حرب، والدليل أن مصر نفسها والأردن تمكنتا من إدخال المساعدات مؤخرا بلا حرب، وتستطيعان تكرار هذا الأمر بلا حرب، وما عليها سوى استخدام بعض أوراقها السلمية الأخرى وهي كثيرة، وقد أشرنا وغيرنا إليها، وهي تبدأ بتقليص المعاملات التجارية والسياحية وصولا إلى وقفها تماما، وتجميد بعض الاتفاقيات الاقتصادية وصولا إلى إلغائها أيضا، ووقف حركة الطيران، وانتهاء بقطع العلاقات الدبلوماسية، والسماح للشعب بالتعبير عن تضامنه مع أشقائه بحرية، وإطلاق سراح المعتقلين على ذمة مظاهرات سابقة داعمة لغزة. لكن الظهور أمام العدو بمظهر الضعيف الذي لا يريد حربا يفتح شهيته للمزيد من التوحش تجاه أهل غزة، والمزيد من التحرش بمصر نفسها، وهو ما يفعله الآن، فلا تخلو قنواته وصحفه يوميا من أحاديث تحريضية ضد مصر، وجيشها، وتعبئة الجبهة الداخلية الإسرائيلية لحرب وشيكة معها.

الظهور أمام العدو بمظهر الضعيف الذي لا يريد حربا يفتح شهيته للمزيد من التوحش تجاه أهل غزة، والمزيد من التحرش بمصر نفسها، وهو ما يفعله الآن، فلا تخلو قنواته وصحفه يوميا من أحاديث تحريضية ضد مصر، وجيشها، وتعبئة الجبهة الداخلية الإسرائيلية لحرب وشيكة معها

لم تقتصر عمليات الحشد والتعبئة الإسرائيلية على وسائل الإعلام، بل قدم نتنياهو شكوى لوزير الخارجية الأمريكي روبيو، ومن ثم الرئيس ترامب، زاعما أن مصر نقضت اتفاقية السلام باعتبار واشنطن هي الضامن لهذه الاتفاقية. ومظاهر النقض وفقا للشكوى الإسرائيلية هي التحشيدات العسكرية المصرية، وبالأسلحة الثقيلة في مواقع حظرت الاتفاقية الوجود العسكري المصري فيها، وهي المنطقة (ج)، وكذا توسيع مدارج طائرات مقاتلة، وبناء خنادق لتخزين سلاح على الحدود مباشرة، بل وإرسال طائرات مسيّرة إلى العمق الإسرائيلي.

قبل تصريحات السيسي كانت الهيئة العامة للاستعلامات قد ردت على الادعاءات الإسرائيلية ببيان، اضطرت لتعديله وتخفيف لهجته، ومع ذلك لم ينف في كلتا نسختيه بصورة مباشرة وجود حشود عسكرية مصرية في سيناء، ولكنه بررها بطريقة غير مباشرة بتأكيده أن هذا الوجود العسكري يتم بالتنسيق مع أطراف معاهدة السلام، وهو ما يعني ضمنا التنسيق مع الكيان الصهيوني نفسه، وأن وجود القوات المسلحة في سيناء يستهدف "تأمين الحدود ضد كل المخاطر بما فيها العمليات الإرهابية والتهريب". وما لم يقله البيان -قبل أو بعد التعديل- أن جيش الاحتلال هو الذي خرق الاتفاقية مبكرا باحتلاله لممر فيلادلفيا، وتدميره لبوابات معبر رفح من الجانب الفلسطيني أكثر من مرة، وتحرشاته المستمرة بالحدود المصرية أيضا.

لا جدال في أن خطر الحرب -حين تدق طبولها فعلا- يوحد المصريين، ففي هذه الحالة لا فرق بين مؤيد للسلطة ومعارض لها، لأن الخطر هنا على الوطن نفسه، الذي هو وطن الجميع، وهو الذي يبقى بعد فناء الحكومات والأفراد. وتاريخيا هذا ما وقع بالفعل، ففي حرب السويس (العدوان الثلاثي) عام 1956 كانت السجون المصرية تكتظ بآلاف السجناء الإسلاميين الذين طلبوا اللحاق بالجبهة للقتال، على أن يعودوا إلى محابسهم بعد انتهاء المعارك، وهو ما تكرر في حرب 1967، وفي حرب 1973؛ فرغم الأزمة التي سبقت الحرب بعامين فقط والمتعلقة بما سمي وقتها مراكز القوى، إلا أن القوى الناصرية واليسارية شاركت في الحرب متناسية خصومتها مع الرئيس السادات، ليعود التوتر وبقوة بعد عامين من الحرب مع جزء من القوى الإسلامية ممثلا فيما عرف بتنظيم الفنية العسكرية، وجماعة شكري مصطفى، وبعد ذلك بعامين آخرين وقعت انتفاضة يناير 1977 التي قادها اليسار، لينتهي الأمر بالقطيعة بين السادات وكل القوى السياسية في قرارات أيلول/ سبتمبر 1981.

ضمن هذا الاستعداد رفع جاهزية القوات المسلحة، وحشد الجبهة الداخلية، وتوحيدها خلف مؤسستها العسكرية، فالجندي الذي يقاتل مطمئنا أن شعبه خلفه غير الذي يشعر أنه وحده، هذا يقتضي تبريد الجبهة الداخلية

السؤال: هل هناك احتمالات حقيقية لوقوع الحرب؟ ثمة مظاهر تدعم هذا الاحتمال، وأهمها ما سبقت الإشارة إليه، من خرق إسرائيلي للاتفاقية قابلته حشود مصرية أيضا، أي حشود من كلا الطرفين في مناطق متجاورة، ما رفع منسوب التوتر، وفي ظل هكذا توتر فإن أي خطأ حتى لو غير مقصود كفيل بإشعال فتيل الحرب. لكن في المقابل فإن كلتا السلطتين لا ترغبان في الحرب، وكل لها أسبابها، بينما تتركان من يدقون طبولها بطريقة غير رسمية بهدف حشد الجبهات الداخلية هنا وهناك خلف الحكومة القائمة، وصرف الأنظار عن مشاكل أخرى تتعرضان لها.

ما يقلل من احتمالات الحرب أيضا حالة التوازن العسكري بين الدولتين، وهذا ما يدفع الجيش الإسرائيلي لتجنب هذه المواجهة، خاصة في وقت لا يزال يعاني في غزة، ولا يستطيع حسم معركته هناك بالقضاء على المقاومة، وتحرير الأسرى بينما يتصاعد الحصار الدولي للكيان الصهيوني، ويزيد عدد المعترفين بالدولة الفلسطينية.

ورغم أن الرئيس الأمريكي ترامب لا يخفي دعمه غير المحدود للكيان، إلا أنه سيمارس عليه ضغوطا لعدم فتح جبهة جديدة مع مصر، يمكن أن تقلب منطقة الشرق الأوسط كلها ضد الكيان ومن خلفه الولايات المتحدة نفسها.

لكن في كل الأحوال فإنه حتى لو كانت هناك احتمالات قليلة للحرب فينبغي الاستعداد لها، فمعظم النار من مستصغر الشرر، وضمن هذا الاستعداد رفع جاهزية القوات المسلحة، وحشد الجبهة الداخلية، وتوحيدها خلف مؤسستها العسكرية، فالجندي الذي يقاتل مطمئنا أن شعبه خلفه غير الذي يشعر أنه وحده، هذا يقتضي تبريد الجبهة الداخلية، والمسئولية الأكبر هنا تقع على السلطة نفسها، وهي تمتلك العديد من خراطيم التبريد.

لعل الأمر الأكثر تبريدا هو إطلاق سراح السجناء السياسيين، ولتكن البداية بمن أنهوا مدد عقوبتهم، ومن أنهوا فترات حبسهم الاحتياطي، وكبار السن والنساء والمرضى، فكما أن لكل عائلة في مصر فرد من أبنائها في الجيش، فإن لكل عائلة فرد آخر في السجن. لا أدري هل يأتي في هذا السياق قرار السيسي بإعادة قانون الإجراءات الجنائية إلى البرلمان لفتح النقاش مجددا حول النصوص التي أثارت أزمة مع المعارضة من قبل، وأهمها نصوص تتعلق بالحبس الاحتياطي وبدائله، وضمانات المحاكمات العادلة؟!

x.com/kotbelaraby