سياسة دولية

"نيويورك تايمز": نظرة داخل وكر جيفري إبستين في مانهاتن

تُظهر الصور أن الضيوف كانوا يجلسون على كراسٍ مكسوّة بنقشة جلد النمر حول طاولة مستطيلة كبيرة- إكس
تُظهر الصور أن الضيوف كانوا يجلسون على كراسٍ مكسوّة بنقشة جلد النمر حول طاولة مستطيلة كبيرة- إكس
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، تقريرا تناولت فيه تفاصيل داخل ما وصفته "وكر"  رجل الأعمال، جيفري إبستين، الذي أثير جدلا واسعا حول حياته الشخصية، وأصدقائه من الزعماء والقادة.

وتاليا ترجمة التقرير كاملا:
كهدية لعيد ميلاد جيفري إبستين الثالث والستين، أرسل أصدقاؤه رسائل تكريمية لهذا الممول الثري والمدان بجرائم جنسية.

وتشاركت عدة رسائل موضوعًا مشتركًا: استعادة ذكريات حفلات العشاء التي كان إبستين يقيمها بانتظام في قصره الفخم بحي أبر إيست سايد في مانهاتن.

وأشار إيهود باراك، رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، وزوجته إلى التنوع الكبير في الضيوف. وكتبا في رسالتهما، التي جُمعت مع رسائل أخرى في يناير/كانون الثاني 2016: “فضولك لا حدود له. أنت مثل كتاب مغلق بالنسبة للكثيرين منهم، لكنك تعرف كل شيء عن الجميع”.

واقترح قطب الإعلام مورتيمر زوكَرمان مكونات لوجبة تعكس ثقافة القصر، قائلاً إنها يجب أن تشتمل على سلطة بسيطة وأي شيء آخر “من شأنه تعزيز الأداء الجنسي لجيفري”.

ووصف المخرج وودي آلن كيف أن حفلات العشاء ذكّرته بقلعة دراكولا، “حيث يوجد لدى لوغوسي ثلاث مصاصات دماء شابات يقمن بخدمة المكان”.

Image1_820256161147743783882.jpg
غير أن ممتلكات إبستين الثمينة لم تكن قلعة كئيبة في ترانسلفانيا، فقد أمضى سنوات في تحويل منزله المؤلف من سبعة طوابق والممتد على مساحة 21 ألف قدم مربعة إلى مكان يستعرض فيه علاقاته بالنخبة الثرية والنافذة ويعززها، حتى مع وجود تلميحات إلى جانبه المظلم، ووفقًا لصور ووثائق لم تنشر من قبل تُظهر أسلوب حياته في سنواته الأخيرة.

ومنذ وفاة إبستين أثناء احتجازه لدى السلطات الفيدرالية سنة 2019، والتي حُكم عليها بأنها انتحار، لا تزال العديد من الألغاز تحيط بحياته دون إجابة. كيف جمع ثروة تُقدّر بمئات الملايين؟ ولماذا واصل العديد من الرجال النافذين مخالطته حتى بعد تسجيله رسميًا كمرتكب جرائم جنسية؟.

وكان البيت الأبيض قد تعهّد بالكشف عن تفاصيل التحقيقات الفيدرالية المتعلقة بإبستين وشركائه، لكن في صيف هذه السنة، تراجعت إدارة ترامب عن ذلك. وقد أثار هذا التراجع غضبًا واسعًا في أوساط اليمين، ما يهدد بتصدع حركة “اجعلوا أمريكا عظيمة مجددًا”، التي يُعد إبستين شخصية محورية في نظريات المؤامرة التي تتبناها، كما وضع الرئيس ترامب في موقف دفاعي كما لم يحدث في قضايا أخرى.

وفي محاولة لاحتواء رد الفعل العنيف، أوفدت وزارة العدل مسؤولًا رفيع المستوى للقاء غيلاين ماكسويل، الشريكة القديمة لإبستين، والتي تقضي حكمًا بالسجن لمدة 20 عامًا بتهمة الاتجار الجنسي. ويوم الجمعة، نُقلت ماكسويل إلى منشأة أقل حراسة، مما أثار تكهنات بأن الرئيس ترامب قد يُخفف حكمها أو حتى يصدر عفوًا عنها مقابل تعاونها.

وعلى مدى سنوات، كانت ماكسويل شخصية دائمة الحضور في منزل إبستين في نيويورك، حيث كان لها مكتب خاص. لكن علاقتها به كانت قد انقطعت بحلول منتصف العقد الثاني من الألفية. وقد وُجدت في المنزل صورة مؤطّرة تجمع إبستين بدونالد ترامب وصديقته آنذاك ميلانيا كناوس، لكنها كانت مقصوصة بحيث تُستبعد منها ماكسويل.

وزار القصر شخص بارز آخر من رموز حركة “ماغا”، وهو ستيفن ك. بانون، المستشار السابق للرئيس ترامب والشخصية المعروفة في الإعلام الرقمي، والذي قال إنه صوّر ساعات من المقابلات داخل القصر مع إبستين في سنة 2019. وقد وُجدت صور مؤطّرة لبانون – من بينها صورة ذاتية التُقطت في المرآة بعدسة إبستين نفسه – محفوظة في غرفتين على الأقل داخل القصر.

وكان منزل إبستين في نيويورك واحدًا من خمسة عقارات يملكها حول العالم. وبعد خروجه من سجن في فلوريدا سنة 2009، حيث قضى 13 شهرًا بتهمة استدراج قاصر لممارسة الدعارة، أصبح القصر بمثابة ملاذ شخصي له ومنتدى اجتماعي يستقبل فيه مفكرين وعلماء وممولين بارزين، بحسب سجلات قانونية وشهادات أشخاص اعتادوا زيارة المنزل. وقد رأى الزوّار في إبستين شخصًا ممتعًا وذكيًا وفضوليًا. ومن بين المغريات الأخرى: فرصة الاختلاط بالشابات الجذابات اللواتي كنّ يتجوّلن في القصر ويعملن كمساعدات له.

ويقع القصر على بُعد خطوات من سنترال بارك، وقد باعه الملياردير ليزلي هـ. ويكسنر، مالك شركة إل براندز، إلى جيفري إبستين في سنة 1998،وقام إبستين بتجديده وإعادة تأثيثه بأسلوب غريب الأطوار.
وكانت عشرات من العيون الاصطناعية المؤطّرة تصطف على طول المدخل. وفي البهو المركزي، كان هناك تمثال لامرأة ترتدي فستان زفاف وتتشبث بحبل، معلّقًا في الهواء.

وفي غرفة الطعام بالطابق الأرضي، كان إبستين يستضيف مجموعة متنوعة من المشاهير والأكاديميين والسياسيين ورجال الأعمال. أما الطعام فكان عاديًا في كثير من الأحيان – وأحيانًا لا يتجاوز بوفيه طعام صيني جاهز، كما أشار وودي آلن في رسالته – لكن الأجواء كانت بعيدة كل البعد عن الرتابة.

اظهار أخبار متعلقة



وتُظهر الصور أن الضيوف كانوا يجلسون على كراسٍ مكسوّة بنقشة جلد النمر حول طاولة مستطيلة كبيرة. ووفقًا لمقابلات مع بعض الحاضرين، كان يُقدَّم أحيانًا عرض سحري خلال الأمسيات. وفي أحيان أخرى، كانت تُجلب سبّورة ليقوم أحد الضيوف برسم مخطط أو كتابة معادلة رياضية. وبحسب صورة اطلعت عليها صحيفة نيويورك تايمز، احتفظ إبستين بخريطة لإسرائيل مرسومة على سبّورة وعليها توقيع إيهود باراك.

Image1_820256161839163191913.jpg
وفي الطابق العلوي، عبر درج فخم، كان مكتب إبستين المكسوّ بألواح خشبية، ويضمّ مكتبًا ضخمًا، وتُظهر الصور نمرًا محنّطًا مستلقيًا على سجادة فاخرة.

وفي المكتب، ووفقًا لصور اطلعت عليها صحيفة التايمز، عرض إبستين نسخة خضراء من رواية “لوليتا”، الصادرة عام ١٩٥٥، والتي تتناول هوسًا جنسيًا لمثقف بفتاة تبلغ من العمر ١٢ عامًا، ويغتصبها مرارًا وتكرارًا. وفوق خزانة جانبية خشبية، عُرضت صور مؤطرة أخرى، من بينها صورة لإبستين مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.

وقالت عدة من ضحايا إبستين إن القصر كان مزوّدًا بشبكة من الكاميرات الخفية.

وبحسب صور اطّلعت عليها صحيفة نيويورك تايمز، كانت غرفة التدليك تحتوي على لوحات لنساء عاريات، وكرة وسلسلة فضية كبيرة، ورفوف مملوءة بزيوت ومزلقات. وكان إبستين يطلب بانتظام من فتيات مراهقات – بعضهن جرى استقطابهن من مدارس إعدادية في كوينز – أن يقمن بتدليكه بينما يكون عاريًا. وتشير سجلات المحاكم وشهادات الضحايا إلى أنه كان أحيانًا يستمني أمامهن، وأحيانًا أخرى يغتصبهن أو يعتدي عليهن جنسيًا.

ولم تكن هناك أي كاميرات مراقبة ظاهرة في الصور التي التُقطت لغرفة التدليك.

وعكست مجموعة سابقة من الرسائل، قُدِّمت إلى إبستين في ألبوم جلدي فاخر بمناسبة عيد ميلاده الخمسين عام 2003، مرحلة من حياته سبقت اعتقاله الأول. ووفقًا لما أوردته صحيفة وول ستريت جورنال، شمل ذلك الألبوم مساهمات من دونالد ترامب وبيل كلينتون، إلى جانب عشرات الآخرين. (وقد نفى ترامب ما ورد في تقرير الصحيفة بشأن تقديمه ملاحظة ورسمًا يحملان إيحاءات جنسية، ورفع دعوى تشهير ضد المؤسسة الإعلامية. أما المتحدث باسم كلينتون فقال إن الرئيس الأسبق لم يكن على علم بجرائم إبستين).

ولكن بحلول عام 2016، ومع تزايد صعوبة تجاهل سمعة إبستين كمتحرش جنسي، بدأت دائرة معارفه الاجتماعية بالتقلص. وبعد ثلاث سنوات، توفي في سجن في مانهاتن أثناء انتظاره المحاكمة بتهم تتعلق بالاتجار بالبشر لأغراض جنسية.

واطّلعت صحيفة نيويورك تايمز على سبع رسائل تهنئة بعيد الميلاد قُدّمت لإبستين في عام 2016.

وإلى جانب الرسائل من مورتيمر زوكَرمان وودي آلن وإيهود باراك، كانت هناك رسائل من عالم اللغويات نعوم تشومسكي وزوجته، ورجل الأعمال جويتشي إيتو، الذي استقال لاحقًا من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ومن مجلس إدارة شركة نيويورك تايمز بسبب علاقاته بإبستين، وكذلك من عالم الفيزياء البارز لورانس م. كراوس. كما قدّم مارتن نواك، عالم الأحياء في جامعة هارفارد، قصيدة ذات طابع علمي.

ولم يرد كلٌّ من زوكَرمان، وآلن، وإيتو، والدكتور نواك، وبانون على طلبات التعليق. أما باراك فقد رفض التعليق، وردّت زوجة الدكتور تشومسكي نيابةً عنه وامتنعت عن التعليق. من جهته، قال الدكتور كراوس إنه لا يتذكر الرسالة، لكنه شارك في “عدة وجبات غداء تخللتها نقاشات شيقة” مع علماء وكتّاب وآخرين في منزل إبستين.

وفي رسالتهما المكتوبة، أشاد إيهود باراك وزوجته نيلي بريئيل بإبستين واصفَين إياه بـ”جامع البشر”، واختتما الرسالة بالقول: “نتمنى لك حياة طويلة وصحية، ونتمنى لنا، نحن أصدقاءك، أن نستمتع بمائدتك لسنوات عديدة قادمة".

التعليقات (0)